بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط البينة على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى البينة الاسلامي على موقع حفض الصفحات
اوقات الصلاة بالرباط
لعبة الصور المتشابهة
اسئلة العصر المحيرة
صفحة 1 من اصل 1
اسئلة العصر المحيرة
السؤال: ما جوهر الألوهية وماهيتها؟الجواب: لا يشبه الله أي شيء من مخلوقاته سواء الحقيقي منها أو النسبي. فهذا الإنسان الذي يعيش في هذا العالم المحدود لا يكون فكره ونظره وأحاسيسه إلا محدودة أيضاً.أجل! فنسبة ما يراه في هذا العالم يبلغ فقط خمسة في المليون تقريبا، وكذلك نسبة ما يسمعه. فمثلاً لا يستطيع أن يسمع صوتاً اهتزازه 40 تردد في الثانية. كما إذا تجاوز هذا التردد الآلاف فلن يسمع أيضاً. إذن فحاسة السمع عند الإنسان محدودة، ولا تدرك هذه الحاسة إلاّ نسبة صغيرة في المليون. كما أن مجال بصره وسمعه محدودان جداً. إذن كيف يستطيع هذا الإنسان المحدود في علمه وبصره وسمعه أن يتجرأ ويسأل: لماذا لا يرى الله؟ وكيف هو؟ إن طرح الإنسان مثل هذا السؤال ومحاولته نَسبَ الكمية والكيفية لله تعالى أو محاولة التفكير في ذاته جرأة وتجاوز للحد.فمن أنت أيها الإنسان وماذا تعلم أصلاً لكي تتجرأ وتحاول إدراك الله تعالى؟ إن الله تعالى منـزه عن الكيف والكم، وهو منـزه عن أن تحيط به مقاييسك الناقصة. فلو سافرت بسرعة الضوء تريليون سنة إلى عوالم أخرى ثم راكمت تلك العوالم بعضها على بعض لما بلغ ما شاهدتَه بالنسبة إليه تعالى ذرة أو هباءة.وعندما نكون عاجزين حتى عن معرفة قارة "أنترتيكا"[1] فكيف يتسنى أن نحيط علماً بجوهر وبماهية الله جل جلاله خالق الكون والمكان ومدبرهما؟ حاشا لله، فالله تعالى لكونه هو الله مقدس ومنـزه عن الكيف والكم. فهو فوق كل تصور من تصوراتنا وكل تخيل من تخيلاتنا.يقول علماء الكلام: "وكل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك". أما المتصوف فيقول: "ما خطر ببالك فهو وراء وراء وراء ذلك. فأنت محاط بالحجب وكأنك داخل فانوس". يقول "ديكارت": "الإنسان محدود من جميع جوانبه، والمحدود لا يستطيع التفكير في اللامحدود"، فوجود الله تعالى وجود غير محدود ولانهائي، لذا لا يستطيع الإنسان القاصر والمحدود أن يحيط به. يقول الأديب الألماني "جوته": "يذكرونك بألف اسم واسم، أيها المجهول الموجود! لو ذكرتك لا بألف اسم بل بآلاف الأسماء لم أستطع أن أوفي حقك في الثناء، لأنك وراء وفوق كل وصف".يرى المفكرون أن الله موجود ولكن وجوده لا يدرَك، فليس الله من الأمور التي يمكن للأذهان الإحاطة بها. فالعين لا تستطيع رؤيته والأذن لا تستطيع سماعه. إذن فما عليك إلاّ أن تتبع تعاليم الأنبياء في حقه وتؤمن به.كيف يمكن أن يتم إدراك الله تعالى الذي هو المبدأ الأول والعلة الأولى للوجود وللعلم. وجودنا ظل من نور وُجوده، وعلمنا نفحة من علمه الإلهي المحيط بكل شيء. أجل هناك في مستوى ما طريق لمعرفة الله تعالى والوصول إلى اكتساب مرتبة العرفان، ولكن هذا الطريق ليس الطريق الاعتيادي لمعرفة الأشياء، بل طريق مختلف تماماً. والذين يحاولون معرفة الله بسلوك طريق منحرف هم قسم من البؤساء الذين لم يستطيعوا التغلب على غرور النفس، ولم يعرفوا الإلهام الباطني، ولم يذوقوه. لذا تراهم يقولون: "لقد فتشتُ عن الله فلم أجده". وهذا تعبير عن ضلال كبير وقول زائف باسم العلم والفلسفة.الله تعالى هو الإله الذي يظهر نفسه في الآفاق وفي أنفسنا في أثناء معراج الروح والقلب إليه، فيرسخ مدى ضرورة وجوده في أعماق قلوبنا وأرواحنا. وهذا الإحساس الوجداني الذي هو أساس جميع علومنا أقوى من جميع علومنا القاصرة ومن جميع عقولنا وأفكارنا. ومع هذا فإننا كثيراً ما نذهل عن أجسادنا وعن هذه القابلية عندنا للحدس الداخلي فنسقط في الخطأ والضلالة.الكون شاهد على الله تعالى، وينطق بذلك بألف لسان ولسان، والقرآن يقوم بهذا التذكير بأبلغ لسان، ورسولنا هو أبلغ رسول وأكمله. يقول الشاعر المتصوف إبراهيم حقي:[2]"قال الحق تعالى: لا يسعني السماء والأرضمنجَمُ القلب عرفه (كنـزاً)".[3]الهوامش[1] قارة غير مأهولة تقع حول القطب الجنوبي. (المترجم)[2] إبراهيم حقي (1703-1780): ولد في أرضروم في بلدة "حِصن قَلعة"، وهو من الشعراء المتصوفين. أهم كتبه "معرفت نامه" الذي يعد دائرة معارف في عصره. (المترجم) [3] يُروى كحديث شريف، انظر: العجلوني، كشف الخفاء، 2/255؛ وإلى معنى قريب للعبارة في الطبراني، مسند الشاميين، 2/19.
السؤال: يُقال إن الله خلق كل شيء.. فمَن (حاشا لله) خلق الله؟أجل، إنه رسول كريم لله، إذ أخبر كل شيء يحدث حتى يوم القيامة وكأنه جالس أمام شاشة تلفزيون ينقل ما يشاهده. وقد نطق بالحق في كل ما أخبر عنه. فالأحكام التي ذكرها والحوادث التي أخبر عنها وقال إنها ستقع في المستقبل حدثت فعلاً وكما أخبر عنها تماماً. وهذا هو ضمن ما أخبر به. يقول صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟"[1]وعندما وجّه لي هذا السؤال قلت في نفسي "أشهد أن محمداً رسول الله!" ما أصدق ما رأيتَ وما أصدق ما قلتَ! فما كان بالإمكان التعبير بشكل أفضل من هذا التعبير لسفالة طراز تفكير هؤلاء وضحالة إدراك الذين تمردت أنفسهم وأنانيتهم وتفرعنت، فأسبغوا صفة الألوهية على الأسباب وحاولوا إيضاح كل شيء بها وضمن إطارها.فإذا رجعنا إلى المسألة الأصلية قلنا إن هذا السؤال من الأسئلة التي يطرحها المنكرون، وكثيراً ما تنسحق العقول الغضة تحت ثقل مثل هذه الأسئلة. أجل! إذ لا يستطيع هؤلاء فهم معنى اللاَّمُتَنَاهِي، ولا يستطيعون تقييم استمرار تسلسل الأسباب، وعما إذا كان لمثل هذا الخداع أي معنى.لذا نراه يتردد ويشك، إذ يظن أن الله أيضاً سبب مثل الأسباب الأخرى، لذا فهناك أيضاً سبب آخر له، أي هو أيضاً مُسبَّب، أي نتيجة. وهذا وهم... وهم يستند إلى عدم معرفة الخالق، لأن الله تعالى هو مسبب الأسباب ولا بداية لوجوده.وقد قام علماء الكلام استناداً إلى قواعد معينة بإثبات أن الأسباب لا يمكن أن تتسلسل هكذا إلى ما لاَنِهَايَة، وسعوْا لإثبات وجود مسبب الأسباب الذي هو الله تعالى. ومن المفيد تلخيص أفكارهم في هذا الصدد بمثال أو مثالين. يقول علماء الكلام إن القول بأن سلسلة الأسباب تستمر دون توقف تعبير عن الجهل بماهية الأسباب وغفلة عن الخالق. أجل فليس من الصحيح إعطاء أي احتمال لظهور الأسباب عن طريق سلسلة الأسباب المستمرة منذ الأزل، والنظر إلى احتمال هذا الأمر انخداع. فمثلاً إن قلنا بأن اخضرار وجه الأرض بالنباتات مرتبط بوجود الهواء والماء والشمس، وأن وجود الهواء والماء والشمس مرتبط بوجود بعض الأجزاء المادية مثل الأوكسجين والهيدروجين والكاربون والنتروجين...الخ. ووجود هذه الأجزاء المادية مرتبط بوجود جزيئات أصغر، وهذه الجزيئات الصغيرة مرتبطة بجزيئات أصغر...إن الظن بأن من المحتمل أن يستمر هذا التسلسل إلى اللاَّنِهَاية، وأن من المحتمل إيضاح ظهور الأشياء عن هذا الطريق مغالطة وانخداع، ولا سيما إن علمنا أن هناك أضداد المادة وأن الميتافيزيقيا تغلب الفيزياء، وإن علمنا أن الأسباب بأجمعها بدءاً من السبب الأول وانتهاء بآخره تعمل ضمن اتساق وتلاؤم وبصيغ قوانين وكأنها موظف مستخدم يقوم بأداء وظيفته.أجل! إن القول "إن هذا نتج عن هذا، وهذا عن ذاك، وذاك عن ذاك..."، مثل هذا القول لا يُحل أي مشكلة ولا أي مسألة، بل على العكس يجعل المسألة مستحيلة الحل، لأن الظن بأن من الممكن أن يُعد هذا حلا يشبه الظن باحتمال استمرار سفسطة "البيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة" إلى الأبد. وهذا الادعاء والظن سيبقى معلقاً ودون سند حتى نسند البيضة أو الدجاجة إلى الموجود الأزلي ذي القدرة اللانهائية. ولكن ما أن تسندهم إلى الخالق الأزلي -الموجود بذاته- حتى تنحل المعضلة، لأنه سواء أتم خلق البيضة -التي هي خلية واحدة- أولاً، أم تم خلق الدجاجة أولاً وجعلت لها قابلية إنتاج البيضة لإدامة نسلها.. سواء كان هذا أم ذاك فالأمر سيان.إذن فتنحية هذا وتركه جانبا وتكرار "هذا من ذاك، وذاك من تلك..." لا يؤدي بنا إلى أي نتيجة ولا نصل إلى أي وضوح، لأن كل جواب من هذا النمط يجلب معه استفهامات أكثر. مثلاً المطر مرتبط بالغيوم، والغيوم مرتبطة بالجزيئات الموجبة والسالبة، وهذه الجزيئات متعلقة بالتبخر، والتبخر مرتبط بوجود الماء وأخيراً بالعناصر المكونة للماء.. وهكذا فبعد بضعة خطوات فقط ينتهي التسلسل ويقف. وحتى عندما يقف التسلسل في نقطة معينة يجد الإنسان نفسه في خضم فرضيات عديدة يحاول بها إشباع عقله "قد يكون كذا... أو كذا... أو كذا..."وليس هذا إلاّ محاولة لتفسير العالم الذي نشاهد فيه النظام الدقيق والتلائم والتناغم المدهش بين أجزائه ونحدس ظهوره من يد الحكمة الباهرة.. محاولة لتفسير هذا العالم وكل الأشياء بهذيان الأطفال. كما أنها تضليل لأفق العلم وهدفه وإبقائهما في ظلام دامس. علماً بأن لكل نتيجة لا بد من وجود سبب، ومجرد تزايد الأسباب غير المنطقية وغير المعقولة وتسلسلها لا يجعلها معقولة ولا يضفي عليها صفة التلاؤم مع المنطق، فمثل هذا الظن هذيان وهو توهم المستحيل ممكناً.والآن لنشرح هذا بمثال: لنفرض أنني جالس على كرسي من دون قائمتَيه الخلفيتَين. ولكي لا يسقط الكرسي فقد أسند إلى كرسي مثله، وهذا الكرسي إلى كرسي آخر مثله... وهكذا إلى اللانهاية، أي بعدد لا يستطيع العقل تخيله ولا يسعه الزمان ولا المكان. ومع ذلك فإن هذه الكراسي إن لم تسند إلى كرسي ثابت وذي قوائم أربعة فإنه لا فائدة من هذا التسلسل وإن استمر إلى اللانهاية.ومثال آخر: لنفرض وجود صفر أمامنا، فهذا الصفر إن لم يُضف إلى رقم على يساره يبقى صفراً ودون قيمة وإن رصصت كومة من الأصفار على جنبه، حتى وإن وضع (تريليون x تريليون) صفراً. ولكن ما أن تضع على يساره رقماً حتى يكتسب الصفر قيمة حسب هذا الرقم. وهذا يعني أن أي شيء إن لم يكن له وجود مستقل وإن لم يكن قائماً بذاته فإن أمثاله من الأشياء العاجزة لا تستطيع منحه الوجود ولا منحه أي سند أو عون، ذلك لأن تجمع الأشياء العاجزة لإسناد العجز نفسه لا يفيد إلاّ في زيادة العجز وزيادة الحاجة.وحتى لو فرضنا المستحيل وقبلنا بتأثير الأسباب فإن القانون الفيزيائي القاضي بـ"تناسب العلة" يوجب وجود تناسب معقول بين السبب والنتيجة، لذا يجب مثلاً التفتيش عن أسباب معقولة وذات قوة وقدرة كافية تكون وراء ظواهر عديدة بدءاً من تحول الكرة الأرضية إلى بيئة ووسط صالح لظهور الحياة واستمرارها وانتهاءً إلى وجود هذا الإنسان المفكر العاقل.هذا علماً بأن الوضع الحالي للكرة الأرضية أي سرعتها ومقدار بعدها عن الشمس وطبقتها الجوية ودوراتها الطبيعية والمقدار المحسوب لميل محورها ومقدار ونوع الغازات التي تشكل جوها، وطبقتها الترابية والنباتات التي تكسو هذه الطبقة، وبحارها والقوانين الخفية الجارية فيها والرياح والوظائف والمهام المختلفة التي تؤديها.. الخ من آلاف بل مئات الآلاف من الحوادث الجارية بكل نظام واتساق وتناغم لا يمكن عزوها وإرجاعها إلى الأسباب العمياء والصماء أو إلى المصادفات العشوائية، فمثل هذا العمل يجعل العقل وكأنه يناقض نفسه بنفسه.والحقيقة أن علماء علم الكلام عندما حكموا عن طريق مفهوم "الدوْر والتسلسل" بنفي الأسباب وإسنادها إلى مسبب الأسباب أي إلى الله تعالى، ذكروا أن كل شيء "ممكن الوجود" وأن كل الأسباب والعلل تستند إلى "واجب الوجود"، ففتحوا بذلك منافذ إلى التوحيد، غير أن من الممكن الوصول إلى هذه النتيجة عن طريق أسلم. أجل! ففي كل أثر من آثار الخالق جل جلاله نرى ختمه وسكّته وآيته. لذا فليس هناك دليل واحد بل آلاف الأدلة على وجوده. فمنذ بدأت العلوم بمحاولة الكشف عن أسرار الكون، كان كل علم يشير بلسانه الخاص إلى وجوده ويعلن عنه بأجلى صيغة. وهناك كتب قيمة جدّاً كتبت في هذا الموضوع. أذكر هذا لكي أرجع إلى الصدد.أجل! لقد وجد كل شيء فيما بعد. والله هو موجِدُ وخالقُ كل شيء، والله لكونه هو الله فلم يُخلَق، إذ كل مخلوق يكون عاجزاً ومحتاجاً بينما وجود الله من ذاته دون حاجة إلى أي أحد، فهو الغني المطلق الغنى. كل شيء يستند إليه ويعتمد عليه. وكل لغز -يبدو وكأنه غير قابل للحل- يظهر ويتوضح به، فهو الخالق وهو الموجِد وهو القائم على استمرار الوجود. هو الذي يَشُدّ إصره، هو كل شيء، هو الأول وهو الآخر.. فكيف إذن يفتّشون عن مسبب له؟!ولنوضح هذا بمثال أو مثالين: مثلاً إن رجلي تحملان جسدي والأرض تحمل رجلي. والآن وبعد أن توصلت إلى معرفة مثل هذا الحامل المعقول فلا أحتاج إلى البحث عن أسباب جديدة خارجه. ومثلاً لنأخذ العربة الأخيرة من عربات قطار.. هذه العربة تجرّها العربة التي أمامها، وهذه تجرها التي أمامها... وهكذا حتى نصل إلى القاطرة، أي المحرك الذي يجر القطار. وعندما نصل إلى المحرك نقول "إن هذا المحرك يحرك نفسه بنفسه". هذه الأمثلة المعطاة من الأشياء التي خلقها الله. فمهما غيّر هؤلاء المخدوعون الأسباب، وانتقلوا من سبب إلى آخر، فإنهم سيصلون حتماً إلى سبب لا يستطيعون التقدم بعده إلى سبب آخر. عند ذلك سنواجههم ونسألهم "ها هي نهاية الأسباب! ماذا بعد؟"هناك مسألة أخرى تعكر صفو بعض العقول وهي أن التفكير المحدود لبني الإنسان لا يستطيع هضم مفهوم الأزل وإدراكه، لذا نراه يضفي صفة الأزلية على المادة، ثم يرى احتمال وقوع أشياء غير معقولة في الماضي السحيق الذي لا تستطيع الأرقام إيضاحه.قبل كل شيء إن الأزل ليس نهاية الزمان الماضي، إنه لا زمان. فلو بلغت الأزمان (كاتريليون x كاتريليون) سنة لما بلغ عشر معشار الأزل. بينما يعرف الجميع تقريباً الآن بأن المادة التي هي أساس تسلسل الأسباب لها بداية معيّنة. فحركات الألكترونات، وأسرار فيزياء نواة الذرة، والعمليات الغامضة التي تجري في الشمس وتؤدي إلى إطلاق الإشعاعات، والقانون الثاني للديناميكا الحرارية (الثرموديناميك)، وهو القانون الشامل للكون يشير إلى أن لكل شيء نهاية. كل هذه الأمور أدلة بضخامة النجوم وبوضوح وبريق الشموس، وكل شيء له نهاية لا بد أن تكون له بداية، وهذا أمر واضح قد لا يحتاج إلى أي نقاش.لذا فإن أي شيء أسبغت عليه نعمة الوجود يشير إلى الخالق ويدل عليه، كذلك فإن انطفاء وجوده وفنائه يدل على أنه (أي الخالق) لا أوّل له ولا آخر. لأنه إن كانت القاعدة الآتية صحيحة وهي "من كانت له بداية كانت له نهاية"، كان من الضروري "أن من لم تكن له بداية لم تكن له نهاية". لذا فإننا نرى أن المادة وكل شيء نبع منها إن كان موجوداً اليوم فهو غير موجود غداً. ولكن سير الكون البطيء نحو الفناء، والفناء التدريجي للمادة قد يخدع الكثيرين. ولكن مصير هذه العوالم -التي نمت وتوسعت ضمن عهود طويلة- هو إلى الفناء. أجل إن المادة مع أنها موجودة اليوم، فإنها -على ضوء بعض الأبحاث- متوجهة دون شك نحو التغير. والآن لنوضح هذا بمثال قطار أيضاً:لنفرض أن قطاراً توجه من مدينة "إِزْمِير" نحو "تُورْكُوتْلُو" التي تبعد عنها 55 كم. ولنفرض أن سرعة القطار كانت 55 كم/ساعة عند بداية الرحلة، أي أن الرحلة ستستغرق ساعة واحدة. سار القطار بهذه السرعة نصف ساعة ثم هبطت سرعته إلى النصف بعد أن بقي من المسافة 27،5 كم، أي أنه سيقطع نصف هذه المسافة فقط في نصف ساعة، ولنفرض أن القطار كلما سار نصف ساعة أنقص سرعته إلى النصف... وهكذا، مثل هذا القطار يبدو أنه لن يصل إلى مدينة "تُورْكُوتْلُو" أبداً. ومع أن القطار سيصل حتماً إلى هذه المدينة إلاّ أن راكب القطار قد يتصور أنه لن يصل إلى المدينة أبداً بهذه السرعة المتناقصة.وشبيه بهذا فإن المادة سائرة نحو التحلل والتجزؤ. وسيتحقق هذا وإن كان بعد عدة ملايين من السنين، أي أن كل شيء فانٍ سواه تعالى.. سوى الموجود الذي لا يستند وجوده إلى شيء آخر غيره.والخلاصة أن الله موجود وهو خالق كل شيء. وتوهم أنه مخلوق تفكير ساذج يسند إلى الخالق صفة المخلوق ولا يميز الفرق بين الخالق وبين المخلوق. والملحدون والمنكرون الذين أبرزوا هذا التصور والوهم -الذي يجفل منه الإنسان ويرتجف- أرادوا الظهور بمظهر العقل وهم لا يدرون أنهم سقطوا في تناقض صارخ مع العقل ومع المنطق. فمن يستطع اليوم ادعاء أزلية المادة أو إنكار الألوهية؟! فمثل هذا الادعاء لم يعد غريباً فحسب بل علامة على الجهل والتعصب.ولكن مع أن بعض الماديين الذين لم يستطيعوا النفوذ إلى معنى الأشياء والحوادث لا يدركون الفناء والتحلل المقبلين على المادة ولا الفناء الذي تنتظره الذرة سيبقون -حتى يوم إدراكهم هذه الحقائق- وراء بياناتهم وادعاءاتهم هذه لخداع بعض السذج والبسطاء. والله الذي أحاط علماً بكل شيء هو أعلم بحقيقة الأمر.الهوامش[1] مسلم، الإعتصام 3.الجواب: كثيراً ما يُطرح هذا السؤال. وأنا أُعد هذا السؤال علامة ودليلاً من أدلة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأمام تحقق ما أخبر به من أخبار الغيب أنكس رأسي وأقول "أشهد أن محمداً رسول الله". السؤال: بما أن جميع الأنبياء ظهروا من شبه جزيرة العرب، فكيف يكون الذين يعيشون في البلدان الأخرى مسؤولين من ناحية العقيدة والعمل؟الجواب: لهذا السؤال شقان؛ الأول: ظهور الأنبياء في شبه جزيرة العرب فقط وعدم ظهورهم في البلدان والقارات الأخرى. والثاني: ليس من العدل تعذيب الأمم التي لم يرسل لها الأنبياء. والآن لنتناول كل شق على حدة، إلاّ أنه من المفيد بل من الضروري التنبيه أولاً إلى مكانة الأنبياء بين الناس.النبوة مرتبة سامية جداً. فهي الغصن المدلَى من الحق تعالى إلى الخلق، وهي قلب الغيب ولسانه ووجوده من وراء هذا العالم الأرضي. وفيها تتجلى عملية سمو وعملية اختيار واصطفاء وعملية تكليف وإرسال. وليس النبي مجرد عبقري يملك عقلاً كبيراً يستطيع النفوذ إلى صلب الأحداث. فالنبي هو إنسان الأفق الذي تكون جميع ملكاته وقابلياته في ذروة الحركة والفعالية وفي نشاط دائمي موّاج يرسم في تموجه أفقاً جديداً من السمو، وتكون هذه الفعالية متوجهة إلى استقبال النسائم الإلهية في كل أمر. الجسم عنده في إمرة الروح والعقل في إمرة القلب. ونظره متوجه على الدوام إلى عالم الأسماء والصفات الإلهية، وتصل قدمه إلى كل ما يصل إليه بصره من موضع، أي هما دائماً معاً. أما المشاعر عند النبي فتكون نامية ومتفتحة حتى آخر برعم فيها. وقابليته في الرؤية والسمع والإدراك تتجاوز حدودها الاعتيادية والطبيعية. وليس من الممكن لنا أبدا في إطار قابليتنا في التحليل والتركيب أن نصل أو حتى أن نقترب من آفاق علوم الأنبياء علومهم التي تكاد تشق الحدود الطبيعية.تستطيع الإنسانية بواسطة هؤلاء الأنبياء اكتشاف ماهية الأشياء. ولا يمكن النفوذ الكامل إلى طبيعة الأشياء وحقائق الأحداث خارج إرشادهم وتعليمهم، ولا التدخل الصائب في الطبيعة دون إرشادهم.كانت الوظيفة الأولى والدرس الأول لهم هو تقديم أسرار الطبيعة وقوانينها الإلهية إلى البشرية. وكان هذا الدرس خاصاً بالمبتدئين. ثم قاموا بشرح الأسماء والصفات للخالق العظيم الذي يشهد الكون والوجود كله عليه، والمقاييس الدقيقة في حق هذا الخالق الذي هو وراء كل إدراك. فهذا الخالق الذي يمسك كل هذه العوالم بيد قُدرته، بدءً من الذرات حتى مجموعات المجرات، ويسري فيها حكمه، ويقلّبها كيف يشاء كحبات سبحة ويحولها من حال إلى حال، ومن شكل إلى شكل... لو لم تكن هناك بيانات الأنبياء الواضحة حول صفات هذه الذات العلوية المقدسة لَما كان من الممكن إطلاق أي حكم صحيح أو التفكير بشكل صحيح في حقه سبحانه وتعالى.إذن فإن النبي إضافة إلى نفوذه إلى قلب الأشياء وحقائق الأحداث وإلقائه علينا دروساً في الحياة بكاملها إلاَّ أنّ أهم دروسه هو شرح صفات وأسماء صاحب القدرة اللانهائية والعلاقات والموازنات الدقيقة الموجودة بين الأسماء الحسنى والصفات وبين الذات الإلهية.لذا فليس هناك أي احتمال أن يخلو أو يحرم أي بلد من البلدان ولا أي زمن من الأزمان من فيض أنوارهم. وكيف يمكن ورود هذا الاحتمال والبشرية لم تعرف خارج نطاق إرشاداتهم أي أحكام صافية وواضحة لعالم الوجود، ولم تستطع الإرتفاع فوق شكوك وشبه وتناقض الفلسفة وترددها وضبابيتها في هذا الخصوص. لذا فإن العقل والحكمة والقرآن يتفقون على أن كل أمة وكل قارّة وفي كل عهد كانت تحت وصاية وإرشاد نبي، ولا يمكن ورود أو احتمال العكس.فبينما نرى حاجة كل متحف صغير أو معرض صغير إلى مسؤولين عن التشريفات وإلى أدِلاء، وأن زيارة هذه المتاحف والمعارض تفقد معناها وغايتها وتكون عبثاً في غياب المرشدين والأدِلاء؛ لذا فكيف يمكن تصور مجيء الزوار إلى القصر الفخم لهذا الكون من دون وجود أدلاء ومرشدين يدلون الزوار إلى خصائص هذا القصر الفخم وإلى أسراره؟وهل هناك أي احتمال أن القادر المطلق جل جلاله الذي خلق هذا الكون وهذا النظام، وجعل هذا الكون معرضاً للفن الإلهي بأرْوع صوره، والذي عرّف نفسه لمشاهديه بآثاره وبدائعه، فهل يعقل أنه بعد عرضه كل هذه الآثار والمعارض الربانية لا يختار أشخاصاً متميزين ليقوموا بتعريف ذاته وأسمائه وصفاته إلى هؤلاء المشاهدين المشتاقين فيكون كل ما عمله من أعمال حكيمة -حاشا لله- عبثاً، ويعرض إجراءاته الحكيمة للاتهام؟ بينما كل شيء يخبرنا بلسان واحد وبنغمة واحدة بأن القادر المطلق حكيمٌ في كل شؤونه ومنـزّهٌ عن العبث ومتعالٌ عن ذلك.هذا علاوة على أن الله تعالى يقول في كتابه الكريم عن ظهور الأنبياء في كل أمة ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل:36). ولكن البشرية سرعان ما نسيتْ الدروس التي تلقتها من هؤلاء الأشخاص العظام، وانحرفت عن الصراط السوي عن طريق تقديس هؤلاء الأنبياء وتأليههم، فعادتْ إلى الوثنية مرة أخرى. وهناك مئات من الأوثان التي خلقها الخيال الانساني ممتدة من جبل الآلهة في اليونان حتى نهر كنج في الهند، وهذه الأديان مختلفة في وضعها وشكلها الحالي عن وضعها وشكلها في بداية ظهورها اختلافاً كبيراً.لذا لا يمكن النظر إلى "كونفشيوس" الصين أو إلى "براهما" و"بوذا" الهند من زاوية الشروط والظروف المعروفة التي هيأتْ ظهورهم. فالزمن يبلي كل شيء، وتتغير خلاله نظرات الإنسان وقيمه. لذا فمن الصعوبة بمكان تخمين المدى الذي تغير فيه وضْع هؤلاء وانحرف وضعه الأصلي وموقفه كما هو في بداية أمره.لو لم يقم القرآن الكريم -ببيانه المزيل لكل الشبه[1]- بإعلامنا وإخبارنا عن عيسى عليه السلام لَما كان بالإمكان معرفة حقيقته داخل جدران الكنائس ضمن مفاهيم القسس والرهبان الذين يقومون حول تماثيل عيسى عليه السلام بمراسيم اختلطت بها شعائرالوثنية. إذ أن رفع البشر إلى مرتبة الألوهية وتنـزيل الذات الإلهية إلى مرتبة البشر، والدخول في تناقض عقلي صارخ من أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وتحريف العقيدة وتشويهها وتزييف العقل والمنطق لَهو أعظم صفاقة وجحود تجاه الله تعالى.ونحن نشاهد الآن أن الشعائر المسيحية المحرفة في معابدها لا تختلف كثيراً من ناحية الشكل عن الوثنية اليونانية والرومانية. ولولا البيان القرآني، ولولا توضيحاته فإن من يشاهد الكنيسة وما يجري فيها يصعب عليه تمييز المسيح عليه السلام عن "أبولّو".لذا فإذا كانت المسيحية قد حرفت كتابها ونبيها كل هذا التحريف وهي قريبة الظهور من عصرنا، إذن فكم من مسيح وجد في القرون الأبعد وكم منهم تعرض إلى تحوير دينه وتحريف صورته في أذهان الناس. «عن بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان من نبيّ إلاّ كان له حواريون يهدون بهديه ويستنّون بسنّته ثم يكون من بعدهم أقوام يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما ينكرون»[2]، وهذا مهم جدّا. أجل! فكم من دين نراه الآن ديناً باطلا نبع من نبع صاف في بدايته وكان الوحي مصدره، ولكنه نتيجة جهل أتباعه والعداء الظالم لأعدائه انقلب بجميع أُسسه إلى مجموعة من الخرافات والأوهام.إذن فإن معظم الأديان ذات المظاهر الباطلة والتي استمرت ووصلت إلى أيامنا الحالية كانت مستندة في الماضي إلى أسس متينة وصالحة وصافية في الأكثر. والظاهر أن كل عصر كان يحمل سمة وختم نبي من الأنبياء.إن إسناد النبوة إلى شخص ليس بنبي يُعد كفراً ككفر إنكار نبوةِ نبيّ. إن الإنسان لا يملك نفسه من النظر نظرة شك إلى منشإ البوذية أو الاقتراب بحذر كبير من "البراهمة". بل يجب حتى البحث عمّا وراء الفلسفة العقيمة الضيقة للكونفيشيوسية أيضاً. وأعتقد أن من الاحتياط النظر إلى "الشامانية"[3] على أساس أنها تعرضت لكثير من التأويلات.وسواء أكانت منابع هذه الأديان وبداياتها صافية أم يشوبها بعض الكدر فإنه مما لا يختلف فيه أحد أنها كانت مختلفة عن وضعها الحالي. فهي تعرضت إما لتآكل الزمن، أو تعرضت لتراكمات وإضافات جديدة مما أدى إلى تغيرها واختلافها عن حالها الأول. ولو فرضنا المستحيل ورجع مؤسسوها إلى الحياة مرة أخرى لما عرفوا الأديان التي جاءوا بها.هناك أديان كثيرة في الدنيا تعرضت إلى التحريف والتغيير، ومن الضروري قبول أن القسْم الأكبر منها كانت صافية المنبع. والقرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر:24)، فيعطي بذلك حكماً عالَمياً شاملاً. ولكننا لا نعرف من الأنبياء الذين ظهروا في كل العالم والذي يبلغ عددهم حسب إحدى الروايات 124 ألف نبي[4].. لا نعرف سوى 28 نبياً. ومع ذلك فنحن لا نعرف أماكن وأزمنة هؤلاء الأنبياء ولا نملك معلومات كافية عنهم.ثم إننا غير مكلفين بمعرفة جميع الأنبياء الذين جاءوا إلى الدنيا. والقرآن الكريم يقول: ﴿وَلَقَد أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُم مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَنْ لَمْ نَقْصُصْ﴾ (غافر:78)، أي أنه نبه إلى عدم الخوض أو المماراة في موضوع الأنبياء الذين لم يتم تعريفهم لنا.ولكن من المعلوم من علم تاريخ الأديان والفلسفة والأنتروبولوجيا وجود نقاط مشتركة عديدة في العقيدة بين كثير من المجتمعات الإنسانية مع أنها متباعدة بعضها عن البعض الآخر بعداً كبيراً. فمثلاً يلاحظ في جميعها التوجه من التعددية إلى الواحدية. وعند التعرض إلى مصيبة كبيرة لا يمكن تحملها يُنبذ كل شيء جانباً وتفتح الأيدي في حضرة ذات علية، وترفع الأيدي إلى الأعلى دائماً... أي هناك تشابه في مظاهر السلوك والتصرف عندما يتعلق الأمر بشيء وراء الطبيعة. وهذا يشير إلى وحْدة المنبع ووحدة المعلّم. فمن السكان الأصليين في جزر الكناري إلى الملايا، ومن الهنود الحمر إلى قبائل الماوماو نرى الشعائر الدينية نفسها، والألوان والديكور نفسه والأنغام نفسها أو المتشابهة مع بعضها.والملاحظات التي سجلها الأستاذ الدكتور محمود مصطفى حول قبيلتين وحشيتين وبدائيتين جداً تؤيد هذا الأمر. إذ يقول الدكتور محمود بأن قبيلة الماوماو تعتقد بإله اسمه "موجاي". وهذا إله واحد في ذاته وفي إجراءاته. وهو لم يُولَد من أحد ولم يلِد أحداً، لا شبيه له ولا ند، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأفهام، ولكنه يُعرف بآثاره. وينقل عن قبيلة "نيام نيام" أشياء مشابهة لعقيدة قبيلة "الماوماو"، إذ يعتقدون بإله حاكم على كل شيء، قادر على أن يحرك ويوجه كل شيء في الغابة حسب إرادته ويرسل شرارات البرق على الأشرار... أي يؤمنون بالمعبود المطلَق.وكما تبيَّن فإن العقيدة الإلهية لهؤلاء القوم تتشابه كثيراً مع ما ورد في القرآن الكريم حول عقيدة الذات الإلهية، بل نستطيع أن نقول إن "الماوماو" يعبرون تقريباً عن المعنى الوارد في سورة الإخلاص. إذن فمِن أين استطاع هؤلاء الأقوام -البدائيون البعيدون جداً عن المدنية وعن ساحة تأثير الأنبياء الذين نعرفهم- الوصول إلى مثل هذه العقيدة الإلهية العميقة والصافية في الوقت الذي لم يصلوا إلى معرفة أبسط قوانين الحياة؟ إذن فالآية: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُم قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ﴾ (يونس:47) توضح حقيقة عالمية شاملة، وليست هناك أرض خارجة عن نطاقها.وسمعت من الأستاذ "عادل زينل" أستاذ الرياضيات من مدينة "كركوك" في العراق والذي تعرفت به سنة 1968 شيئا شبيها بما نقله الدكتور محمود مصطفى، إذ قال بأنه خِلال دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية كان كثيراً ما يلتقي بالسكان الأصليين لأمريكا من الهنود الحمر وأنه استغرب جداً من بعض أمورهم. قال "كان السكان الأصليون يرتبون شعائر دينية فيما بينهم، وكانت هذه الشعائر منسجمة مع عقيدة التوحيد. إذ رأيتهم يؤمنون بإله لا يأكل ولا يشرب ولا يمر عليه الزمن -أي فوق الزمن- وكانوا يكررون قولهم بأن كل ما يجري في الكون إنما يجري حسب إرادته ومشيئته، وكذلك يتحدثون عن كثير من الصفات السلبية والوجودية.[5] ولم تكن مثل هذه الأفكار العالية والسامية تتلاءم أو تتوازى مع حياتهم البدوية البسيطة والبدائية".إذن فإنه لا يمكن تفسير العقيدة بين الشرق والغرب وبين الأطراف القاصية من الدنيا إلاّ بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى هذه البلدان وإلى هذه الأرجاء، لأنه يستحيل إرجاع مثل هذه العقيدة التوحيدية المتوازنة التي لا يستطيع إدراكها كبار الفلاسفة إلى اجتهاد وإلى فكر هؤلاء الأقوام البدائيين من أمثال قبائل الـ"ماوماو" أو قبائل الـ"نيام نيام أو" قبائل الـ"مايا". إذن فإن صاحب الرحمة الواسعة الذي لم يترك النحل والنمل دون أم، لم يترك نوع البشر دون أنبياء، بل أرسلهم إلى جميع بقاع الأرض لينشروا فيها النور.والآن لنأت إلى الشق الثاني من السؤال وهو هل يُعذب من لم يَر نبياً؟لقد رأينا في جواب الشق الأول أن أي بقعة من الأرض لم تخْل من نور النبوة. ومع أنه مرت أوقات جفاف مؤقتة، إلاّ أن الرحمة الإلهية سرعان ما كانت تهطل أمطاراً غزيرة. لذا فكل فرد سمع -قليلاً كان أم كثيراً- بهذه الرحمة أو شاهدها أو ذاقها أو شبع منها. ولكن في البقاع التي كان التحريف فيها سريعاً نرى سرعة هجوم زمن الفترة[6] بظلامه على تلك البقاع، أي أن فترات النور والظلام كانت متعاقبة، والذين وقعوا دون إرادتهم في فترة من فترات الظلام نرى الرحمة الإلهية تنجدهم ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء:15). إذن فالإنذار أولاً، والتكليف ثانياً، ثم العذاب أو الرحمة.صحيح أن أئمة المذاهب لهم آراء مختلفة في فروع هذا الأمر، فالإمام الماتريدي وأتباعه مثلاً لا يرى أي عذر لأي شخص في عدم معرفة وجود الله ولا سيما بعد آلاف البراهين والإدلة التي تشير إليه والتي يزخر بها الكون. أما الأشعريون فيقولون بأن معنى الآية: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء:15) هو إشارة إلى أن استحقاق العذاب لا يكون إلا بعد التبليغ.وهناك من يوفق بين الرأيين فيقول: إن كان هناك شخص لم ير أي نبي ولكنه لم يعبد صنَما ولم يلحد بالله فهو من أهل النجاة، ذلك لأن هناك كثيرا من الناس المحرومين من قابلية التحليل والتركيب الفكري، كما لا يستطيعون استنباط المعاني من سير الأمور والأحداث. لذا يجب أولاً إرشاد أمثال هؤلاء، ثم نرى عما إذا كانوا يستحقون الثواب أو العقاب. ولكن إن كان هناك من اتخذ الكفر مهنة له ومسلكاً، ويفلسف هذا الكفر، ويعلن الحرب ضد الله، فسيَلقى جزاء إلحاده وكفره وإن كان في أقصى الأرض.وكنتيجة نستطيع أن نقول إنه ما من بقعة أو بلد خلا من الأنبياء، وأنه ما من زمن "فترة" طويل خال من الأنبياء. فإنسان كل عهد أخذ نصيبه من النسيم العطر الذي أحدثه نبي من الأنبياء. أما في الأماكن التي نُسي فيها اسم النبي وذكْره وبهتت آثاره بفعل مرور الزمن وتأثيره، فقد أطلق تعبير "الفترة" على هذه العهود حتى ظهور نبي آخر، وبأن إنسان مثل هذه العهود -أي عهود الفترة- سيُغفر له ولكن بشرط ألا يكفر بالله ويلحد به عن سابق قصد وشعور. والله تعالى المحيط بعلمه بكل شيء هو أعلم بالصواب.الهوامش[1] انظر: المائدة 72-73، 116-117، النساء 171.[2] صحيح ابن حبان، 14/71.[3] الشامانية: دين بدائي من أديان شمالي آسيا يتميز بالاعتقاد بوجود عالم محجوب هو عالم الالهة والشياطين وارواح السلف. وان هذا العالم لا يستجيب الاّ للشامان وهو كاهن يستخدم السحر لمعالجة المرضى ولكشف المخبأ والسيطرة على الأحداث. (عن قاموس المورد)[4] المسند للإمام أحمد، 5/265؛ صحيح بن حبان 2/77؛ المستدرك للنيسابوري، 2/652.[5] الصفات السلبية والوجودية: أي الصفات الإلهية مثل الوجود والقدم والوحدانية ومخالفته للحوادث والقيام بذاته. مثلا: صفة الوجود تسلب صفة العدم، وصفة الوحدانية تسلب التعدد، وصفة القدم تسلب الفناء.[6] عهد الفترة: الزمن الماضي بين نبيَّين أو رسولين. (المترجم)المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 8 ديسمبر 1978؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي. السؤال: لقد بيّن القرآن الكريم أن الإرادة الكلّيّة لله تعالى وحده. ومعلوم كذلك أن للإنسان إرادة جزئية.. فإذا كان الأمر هكذا، فالإنسان حين يقترف الإثم، هل يتبع إرادته الجزئية أم الإرادة الكلية لله تعالى؟الجواب: نستطيع أن نعبر باختصار عن هذا الموضوع فنقول إن هناك إرادة للإنسان سواءٌ أأطلقنا عليها تعبير "الإرادة الجزئية" أم "المشيئة الإنسانية" أم "الكسب الإنساني". ولنطلق تعبير "الإرادة الكلية" أو "القدرة على الخلق" أو "الإرادة التكوينية" -وكلها من صفات الله تعالى- على صفة الخلق عند الله. وعندما يتم تناول المسألة من الجانب المتعلق بالله تعالى يبدو وكأن الله تعالى يفرض إرادته ويجبر الحوادث أن تأخذ مجرى معيّناً. وهكذا يدخل الجبر في المسألة، أو يتم تناول المسألة من الجانب المتعلق بالإنسان فتبدو وكأن الإنسان يعمل أعماله بنفسه، أي أن "كل إنسان هو خالق لعمَله" وهذا مذهب المعتزلة.الله خالق كل ما يحدث في الكون، وهذا هو معنى "الإرادة الكلية" الواردة في السؤال. ومعنى ﴿وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعْمَلُونَ﴾(الصافات:96) أي خلقكم وخلق الأعمال الصادرة منكم.مثلاً إن قمت بعمل سيارة أو ببناء بيت فالله هو خالق هذه الأعمال، لأنك أنت وأفعالك تعودان لله تعالى. ولكن هناك أشياء تعود إليك في هذه الأفعال وهي "كسبك" و "مباشرتك". وهذا الكسب شرط عادي وسبب بسيط، فيشبه تماماً قيام شبكة كهربائية ضخمة بإنارة منطقة واسعة جداً بمجرد قيامك بالضغط على زر واحد. فكما لا يمكن هنا القول بأنك لم تفعل شيئاً ولم يكن لك أي دخل في الموضوع كذلك لا يمكن القول بأن هذه الإضاءة والإنارة تعود تماماً إليك. العمل يعود تماماً إلى الله تعالى، ولكن الله تعالى عندما خلق هذه الأعمال قبل تدخلك الجزئي هذا وعده شرطاً عادياً وبنى ما سيفعله على هذا التدخل الجزئي.مثلاً، إن الله تعالى هو الذي أسس آلية الكهرباء الموجودة في هذا الجامع وجعلها صالحة للعمل وللشغل، وهو الذي حقق عملية التنوير، لأن إحداث النور من تيار الألكترونات وتنوير الجامع يُعد فعلاً. وهذا الفعل يعود إلى "نور النور" و"منور النور" و"مصور النور"، أي إلى الله تعالى. ولكن هناك مباشرة عائدة لك في موضوع تنوير هذا الجامع، وهي القيام بالضغط على زر فقط في هذه الآلية التي وضعها الله تعالى، أي أن عملية التنوير وآليته ووظيفته التي تتجاوز قدرتك وطاقتك وإرادتك تعود إلى الله تعالى.لنضرب مثلاً آخر... لنفرض وجود ماكنة جاهزة للعمل وللشغل، وأن وظيفتك تنحصر فقط في الضغط على زر واحد فيها. إن تحْريك هذه الماكنة يعود إلى من أنشأها وصنعها في الحقيقة. لذا نحن نطلق على المباشرة الضئيلة العائدة للإنسان صفة "الكسب" أو "الإرادة الجزئية" ونطلق على ما يعود إلى الله تعالى صفة "الخلق". وهكذا يظهر أمامنا تقسيم للإرادة:1. الإرادة الكلية2. الإرادة الجزئيةومعنى الإرادة هو التوجه والمشيئة، وهذه تعود إلى الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ (الانسان:3). يجب ألاّ يُساء فهم هذا، لأننا عندما نقول إن للعبد نسبة صغيرة من الإرادة تتمثل في ضغط أصبع نكون قد افترقنا عن الجبرية الصرفة. وعندما نقول إن الله هو خالق العمل نفترق عن فكر المعتزلة وعن أصحاب الفلسفة العقلانية (صلى الله عليه وسلمasyonalizim). وهكذا لا نكون قد أشركنا أحداً في ربوبية الله وألوهيته تعالى، ولا وضعنا له نداً تعالى عن ذلك علواً كبيراً. فكما أن الله تعالى واحد أحد في ذاته، كذلك لا يُشرك في أفعاله وإجراءاته أحداً غيره. الله هو خالق كل شيء ولكنه من أجل التكليف والامتحان ومن أجل أسرار وحكم أخرى قبل مباشرة البشر وكسبهم كشرط عادي. ولكي أُكسب الموضوعَ وضوحاً أكثر فإني أُورد هنا مثالاً ذكره أحد كبار العلماء. يقول هذا العالم:"إذا أخذت طفلاً عاجزاً ضعيفاً على عاتقك، وخيّرته قائلاً: إلى أين تريد الذهاب، فسآخذك إليه. وطلب الطفل الصعود على جبلٍ عالٍ، وأنت أخذته إلى هناك، ولكن الطفل تمرض أو سقط. فلا شك أنك ستقول له: أنت الذي طلبت! وتعاقبه، وتزيده لطمة تأديب. وهكذا -ولله المثل الأعلى- فهو سبحانه أحكم الحاكمين جعل إرادة عبده الذي هو في منتهى الضعف شرطاً عادياً لإرادته الكلية".[1]هل في وسعك إنكار إرادة الصبي هنا؟ لا تستطيع، لأنه هو صاحب الطلب. ولكنك كنت أنت الذي ذهبت به إلى ذلك المكان. أما المرض فلم يكن من عمل الصبي، وإنما صدر منه الطلب فقط. هنا يجب التمييز بين من أعطى المرض وبين من جلب الصبي إلى هناك وبين من طلب المجيء.نحن ننظر بهذا المعنى وبهذا المنظار إلى القدر وإلى الإرادة الإنسانية. والله تعالى المقدر لكل شيء هو الأعلم بالصواب.الهوامش[1] الكلمات لبديع الزمان سعيد النورسي، الكلمة السادسة والعشرون / المبحث الثاني / المثال السابع.المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 14 أكتوبر 1977؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي. السؤال: ورد في القرآن الكريم أن ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾(الكهف:17). وهناك أيضاً ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(الكهف:29) أي أن الله قد منح الإنسان العقل والتفكر وله إرادته وهداه الله السبيلين أيما شاء سلك. كيف يمكننا أن نؤلّف بين كلا الأمرَين؟الجواب: هناك شقان في هذا السؤال: جريان الأمور هل هو حسب الإرادة الإلهية الكلية، أم حسب الإرادة الإنسانية؟ ففي الآية الواردة ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ (الكهف:17) معنى الهداية هو الطريق الصحيح والرشد، وهو طريق الأنبياء. أما الضلالة فهو الطريق المنحرف، وفقدان الطريق الصحيح، والابتعاد عن الاستقامة.إن أمْعنا النظر نرى أن كلا منهما عمل وفعل، ويعدان من الوجهة البشرية فعلاً عاملاً. لذ أوجب إرجاعهما إلى الله تعالى لأن كل فعل -كما قلنا سابقاً- يرجع إلى الله تعالى، وليس هناك أي عمل لا يرجع إليه. أجل، فالضلالة مرتبطة باسمه "المضل" والهداية مرتبطة باسمه "الهادي". فهو الذي يعطي كِليهما.ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد للعبد أي دخل وأي كسب، إنما يدفع إلى الضلالة من قبل الله جبراً، أو يساق إلى الهداية سوقاً، فيكون ضالاّ ومنحرفاً في الحالة الأولى، ومهتدياً وراشداً في الحالة الثانية. نستطيع أن نفهم بإيجاز هذا الأمر كما يلي: إن كان الوصول إلى الهداية أو السقوط في الضلالة عملاً بوزن عشرة أطنان مثلا، فلا يملك الإنسان منه عشر المعشار، بل العمل كله لله تعالى.لأذكر مثالاً ملموساً: إن الله يهدي، وللهداية وسائلها مثل الذهاب إلى الجامع... الاستماع للنصائح... تنوير العقل وتثقيفه... كلها من وسائل الهداية. الاستماع إلى القرآن الكريم وتدقيق معانيه والتعمّق فيها من وسائل الهداية أيضاً. التتلمذ في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستماع إلى أقواله بقلب حاضر، والاسترشاد بمرشد وأخذ الدروس منه، والدخول إلى الجوّ الروحي للرسالة وللنبوة وفتح القلب لكل نسائم تجلياته طريق من طرق الهداية، حيث يستطيع الإنسان المباشرة بالطرق المؤدية إلى الهداية. أجل! مع أن المجيء إلى الجامع مباشرة بسيطة إلا أن الله تعالى يجعلها وسيلة للهداية، أي أن الهداية من قِبل الله، ولكن للعبد "كسب" معيّن في طرق باب الهداية.وقد يطرق الإنسان أبواب الخمارات والبارات والأصنام، أي يطرق باب اسم "الْمُضِلّ" ويطلب الضلالة لنفسه. فإن شاء الله أضله وإن شاء جعل أمامه عوائق تمنعه من الانحراف والضلالة. إذن يتضح أن ما في يد الإنسان من شيء ضئيل لا يكفي ولا يستطيع أن يكون سبباً للهداية أو للضلالة.لأضرب هذا المثل: قد تُصغي إلى القرآن الكريم وإلى المواعظ والنصائح وقد تَقرأ كتاباً علمياً جيداً فتحس وكأن الأنوار تشرق في قلبك. بينما عندما يستمع شخص آخر إلى الأذان المحمّدي أو إلى المواعظ أو إلى المناجاة والأدعية الضارعة الخارجة من القلب يحس بضيق ويقول "ما هذه الأصوات المنكرة؟" أي يشكو من أصوات الأذان.إذن فإن الله تعالى هو الذي يعطي الهداية أو الضلالة. ولكن إن سلك أحد طريق الضلالة بعناد فإن الله تعالى يخلق له ما يتبقى من 99,9% من العمل العائد له تماما كعملية الضغط على زر لتشغيل آلة ضخمة ثم يقوم بمحاسبة الإنسان لكونه مال إلى الضلالة ورغب فيها ويعاقبه أو يعفو عنه.المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 14 أكتوبر 1977؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي.
السؤال: هناك أشخاص أعطاهم الله كل شيء، الأموال الطائلة والسيارات الفارهة والقصور الفخمة والشرف الرفيع والصيت الذائع... بينما الآخرون يتضورون جوعًا وتصيبهم آلام وبلايا ومصائب وفقر وعلل. فيا ترى هل هؤلاء فاسدون والآخرون يحبهم الله حتى أغدق عليهم ما أغدق، بينما هؤلاء ينسحقون تحت وطأة أعباء الحياة؟الجواب: مثل هذا السؤال لا يُسأل إلا من أجل الوصول إلى المعرفة، وإلا فإن السائل يكون آثماً. ومن كان في ضيق فمن الطبيعي أن يَسأل هذا السؤال من أجل الفهم لا الشكوى.يعطي الله تعالى المال والدور والمراكب والعمارة لمن يشاء، ويعطي الفقر وضيق اليد لمن يشاء. ولكن لا يمكن هنا إنكار دور بعض الأسباب كالظروف العائلية وغيرها، كما لا يمكن إنكار قابلية شخص ما وكياسته ودرايته في كسب المال وتنميته، وكذلك لا يمكن إنكار مدى تأثير معرفته بطرق الربح في الأحوال والشروط والظروف المحيطة به أيضاً. ومع هذا فقد لا يؤتي الله تعالى المال لأشخاص مع وجود القابليات عندهم. ومع هذا فقد ورد في حديث ذي مغزى عميق يخص موضوعنا «عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قسَم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ الله عز وجل يعطي الدنيا من يحبُّ ومَن لا يحبّ ولا يُعطي الدِّين إلا لمن أحب فمن أعطاه الله الدِّين فقد أحبَّه»[1]. وهذا له معنى فيما نحن بصدده.ثم إن من الخطإ عد المال والجاه خيراً على الدوام. أجل! فالله سبحانه وتعالى قد يعطي المال والرفاه والسعادة الدنيوية لمن يطلبها وقد لا يعطي. وسواء أأعطى الله تعالى أم لم يعط فهو خير في كلتا الحالتين. ذلك إن كنت شخصاً جيداً واستعملت المال المعطى لك في أمور الخير، فالمال هنا يُعد خيراً. ولكن إن لم تكن شخصاً جيداً، بل كنت منحرفاً عن الصراط القويم فسواء أأعطى الله تعالى المال لك أو لم يعطه فالوضع يكون سيئاً بالنسبة لك.أجل! إن كنت شخصاً غير مستقيم فالفقر يكون عندك وسيلة إلى الكفر، لأنه يحرضك على رفع راية العصيان تجاه ربك. كما إن كنت بعيداً عن الاستقامة فمعنى هذا أنك لا تملك حياة قلبية وروحية صحيحة، لذا فإن الغنى سيكون لك مصيبة وبلاء ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال:28). لقد خسر الكثيرون هذا الامتحان حتى اليوم؛ فكم من غني مع أنه يملك ثروة كبيرة لا يملك في قلبه شرارة نور واحدة بسبب جحوده. لذا فإن إعطاء الله تعالى المال والجاه لهؤلاء يعد استدراجاً[2] أي وسيلة لانحرافهم. ولكن هؤلاء استحقوا هذا لكونهم أماتوا حياتهم القلبية والروحية وقضوا على القابليات الفطرية التي وهبها الله تعالى لهم. من المناسب هنا ذكر هذا الحديث النبوي: «كم مِن أشْعثَ أغْبَر ذي طِمْرَيْن (صاحب ثوبين خلقين) لا يُؤْبَه له لو أقسم على الله لأَبَرّه، منهم البراءُ بن مالكٍ»[3]بينما لم يكن البراء -وهو شقيق أنس- يملك لا طعاماً يأكله ولا داراً يأوي إليها. كان يعيش على الكفاف. وكم من أشعث أغبر مثل البراء كانوا يوقرون ويُنظر إليهم كعظماء ويقيّمون حسب وسعة قلوبهم وعمقها وعظمتها، ونور نفوسهم وضيائها.
السؤال: يُقال إن الله خلق كل شيء.. فمَن (حاشا لله) خلق الله؟أجل، إنه رسول كريم لله، إذ أخبر كل شيء يحدث حتى يوم القيامة وكأنه جالس أمام شاشة تلفزيون ينقل ما يشاهده. وقد نطق بالحق في كل ما أخبر عنه. فالأحكام التي ذكرها والحوادث التي أخبر عنها وقال إنها ستقع في المستقبل حدثت فعلاً وكما أخبر عنها تماماً. وهذا هو ضمن ما أخبر به. يقول صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟"[1]وعندما وجّه لي هذا السؤال قلت في نفسي "أشهد أن محمداً رسول الله!" ما أصدق ما رأيتَ وما أصدق ما قلتَ! فما كان بالإمكان التعبير بشكل أفضل من هذا التعبير لسفالة طراز تفكير هؤلاء وضحالة إدراك الذين تمردت أنفسهم وأنانيتهم وتفرعنت، فأسبغوا صفة الألوهية على الأسباب وحاولوا إيضاح كل شيء بها وضمن إطارها.فإذا رجعنا إلى المسألة الأصلية قلنا إن هذا السؤال من الأسئلة التي يطرحها المنكرون، وكثيراً ما تنسحق العقول الغضة تحت ثقل مثل هذه الأسئلة. أجل! إذ لا يستطيع هؤلاء فهم معنى اللاَّمُتَنَاهِي، ولا يستطيعون تقييم استمرار تسلسل الأسباب، وعما إذا كان لمثل هذا الخداع أي معنى.لذا نراه يتردد ويشك، إذ يظن أن الله أيضاً سبب مثل الأسباب الأخرى، لذا فهناك أيضاً سبب آخر له، أي هو أيضاً مُسبَّب، أي نتيجة. وهذا وهم... وهم يستند إلى عدم معرفة الخالق، لأن الله تعالى هو مسبب الأسباب ولا بداية لوجوده.وقد قام علماء الكلام استناداً إلى قواعد معينة بإثبات أن الأسباب لا يمكن أن تتسلسل هكذا إلى ما لاَنِهَايَة، وسعوْا لإثبات وجود مسبب الأسباب الذي هو الله تعالى. ومن المفيد تلخيص أفكارهم في هذا الصدد بمثال أو مثالين. يقول علماء الكلام إن القول بأن سلسلة الأسباب تستمر دون توقف تعبير عن الجهل بماهية الأسباب وغفلة عن الخالق. أجل فليس من الصحيح إعطاء أي احتمال لظهور الأسباب عن طريق سلسلة الأسباب المستمرة منذ الأزل، والنظر إلى احتمال هذا الأمر انخداع. فمثلاً إن قلنا بأن اخضرار وجه الأرض بالنباتات مرتبط بوجود الهواء والماء والشمس، وأن وجود الهواء والماء والشمس مرتبط بوجود بعض الأجزاء المادية مثل الأوكسجين والهيدروجين والكاربون والنتروجين...الخ. ووجود هذه الأجزاء المادية مرتبط بوجود جزيئات أصغر، وهذه الجزيئات الصغيرة مرتبطة بجزيئات أصغر...إن الظن بأن من المحتمل أن يستمر هذا التسلسل إلى اللاَّنِهَاية، وأن من المحتمل إيضاح ظهور الأشياء عن هذا الطريق مغالطة وانخداع، ولا سيما إن علمنا أن هناك أضداد المادة وأن الميتافيزيقيا تغلب الفيزياء، وإن علمنا أن الأسباب بأجمعها بدءاً من السبب الأول وانتهاء بآخره تعمل ضمن اتساق وتلاؤم وبصيغ قوانين وكأنها موظف مستخدم يقوم بأداء وظيفته.أجل! إن القول "إن هذا نتج عن هذا، وهذا عن ذاك، وذاك عن ذاك..."، مثل هذا القول لا يُحل أي مشكلة ولا أي مسألة، بل على العكس يجعل المسألة مستحيلة الحل، لأن الظن بأن من الممكن أن يُعد هذا حلا يشبه الظن باحتمال استمرار سفسطة "البيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة" إلى الأبد. وهذا الادعاء والظن سيبقى معلقاً ودون سند حتى نسند البيضة أو الدجاجة إلى الموجود الأزلي ذي القدرة اللانهائية. ولكن ما أن تسندهم إلى الخالق الأزلي -الموجود بذاته- حتى تنحل المعضلة، لأنه سواء أتم خلق البيضة -التي هي خلية واحدة- أولاً، أم تم خلق الدجاجة أولاً وجعلت لها قابلية إنتاج البيضة لإدامة نسلها.. سواء كان هذا أم ذاك فالأمر سيان.إذن فتنحية هذا وتركه جانبا وتكرار "هذا من ذاك، وذاك من تلك..." لا يؤدي بنا إلى أي نتيجة ولا نصل إلى أي وضوح، لأن كل جواب من هذا النمط يجلب معه استفهامات أكثر. مثلاً المطر مرتبط بالغيوم، والغيوم مرتبطة بالجزيئات الموجبة والسالبة، وهذه الجزيئات متعلقة بالتبخر، والتبخر مرتبط بوجود الماء وأخيراً بالعناصر المكونة للماء.. وهكذا فبعد بضعة خطوات فقط ينتهي التسلسل ويقف. وحتى عندما يقف التسلسل في نقطة معينة يجد الإنسان نفسه في خضم فرضيات عديدة يحاول بها إشباع عقله "قد يكون كذا... أو كذا... أو كذا..."وليس هذا إلاّ محاولة لتفسير العالم الذي نشاهد فيه النظام الدقيق والتلائم والتناغم المدهش بين أجزائه ونحدس ظهوره من يد الحكمة الباهرة.. محاولة لتفسير هذا العالم وكل الأشياء بهذيان الأطفال. كما أنها تضليل لأفق العلم وهدفه وإبقائهما في ظلام دامس. علماً بأن لكل نتيجة لا بد من وجود سبب، ومجرد تزايد الأسباب غير المنطقية وغير المعقولة وتسلسلها لا يجعلها معقولة ولا يضفي عليها صفة التلاؤم مع المنطق، فمثل هذا الظن هذيان وهو توهم المستحيل ممكناً.والآن لنشرح هذا بمثال: لنفرض أنني جالس على كرسي من دون قائمتَيه الخلفيتَين. ولكي لا يسقط الكرسي فقد أسند إلى كرسي مثله، وهذا الكرسي إلى كرسي آخر مثله... وهكذا إلى اللانهاية، أي بعدد لا يستطيع العقل تخيله ولا يسعه الزمان ولا المكان. ومع ذلك فإن هذه الكراسي إن لم تسند إلى كرسي ثابت وذي قوائم أربعة فإنه لا فائدة من هذا التسلسل وإن استمر إلى اللانهاية.ومثال آخر: لنفرض وجود صفر أمامنا، فهذا الصفر إن لم يُضف إلى رقم على يساره يبقى صفراً ودون قيمة وإن رصصت كومة من الأصفار على جنبه، حتى وإن وضع (تريليون x تريليون) صفراً. ولكن ما أن تضع على يساره رقماً حتى يكتسب الصفر قيمة حسب هذا الرقم. وهذا يعني أن أي شيء إن لم يكن له وجود مستقل وإن لم يكن قائماً بذاته فإن أمثاله من الأشياء العاجزة لا تستطيع منحه الوجود ولا منحه أي سند أو عون، ذلك لأن تجمع الأشياء العاجزة لإسناد العجز نفسه لا يفيد إلاّ في زيادة العجز وزيادة الحاجة.وحتى لو فرضنا المستحيل وقبلنا بتأثير الأسباب فإن القانون الفيزيائي القاضي بـ"تناسب العلة" يوجب وجود تناسب معقول بين السبب والنتيجة، لذا يجب مثلاً التفتيش عن أسباب معقولة وذات قوة وقدرة كافية تكون وراء ظواهر عديدة بدءاً من تحول الكرة الأرضية إلى بيئة ووسط صالح لظهور الحياة واستمرارها وانتهاءً إلى وجود هذا الإنسان المفكر العاقل.هذا علماً بأن الوضع الحالي للكرة الأرضية أي سرعتها ومقدار بعدها عن الشمس وطبقتها الجوية ودوراتها الطبيعية والمقدار المحسوب لميل محورها ومقدار ونوع الغازات التي تشكل جوها، وطبقتها الترابية والنباتات التي تكسو هذه الطبقة، وبحارها والقوانين الخفية الجارية فيها والرياح والوظائف والمهام المختلفة التي تؤديها.. الخ من آلاف بل مئات الآلاف من الحوادث الجارية بكل نظام واتساق وتناغم لا يمكن عزوها وإرجاعها إلى الأسباب العمياء والصماء أو إلى المصادفات العشوائية، فمثل هذا العمل يجعل العقل وكأنه يناقض نفسه بنفسه.والحقيقة أن علماء علم الكلام عندما حكموا عن طريق مفهوم "الدوْر والتسلسل" بنفي الأسباب وإسنادها إلى مسبب الأسباب أي إلى الله تعالى، ذكروا أن كل شيء "ممكن الوجود" وأن كل الأسباب والعلل تستند إلى "واجب الوجود"، ففتحوا بذلك منافذ إلى التوحيد، غير أن من الممكن الوصول إلى هذه النتيجة عن طريق أسلم. أجل! ففي كل أثر من آثار الخالق جل جلاله نرى ختمه وسكّته وآيته. لذا فليس هناك دليل واحد بل آلاف الأدلة على وجوده. فمنذ بدأت العلوم بمحاولة الكشف عن أسرار الكون، كان كل علم يشير بلسانه الخاص إلى وجوده ويعلن عنه بأجلى صيغة. وهناك كتب قيمة جدّاً كتبت في هذا الموضوع. أذكر هذا لكي أرجع إلى الصدد.أجل! لقد وجد كل شيء فيما بعد. والله هو موجِدُ وخالقُ كل شيء، والله لكونه هو الله فلم يُخلَق، إذ كل مخلوق يكون عاجزاً ومحتاجاً بينما وجود الله من ذاته دون حاجة إلى أي أحد، فهو الغني المطلق الغنى. كل شيء يستند إليه ويعتمد عليه. وكل لغز -يبدو وكأنه غير قابل للحل- يظهر ويتوضح به، فهو الخالق وهو الموجِد وهو القائم على استمرار الوجود. هو الذي يَشُدّ إصره، هو كل شيء، هو الأول وهو الآخر.. فكيف إذن يفتّشون عن مسبب له؟!ولنوضح هذا بمثال أو مثالين: مثلاً إن رجلي تحملان جسدي والأرض تحمل رجلي. والآن وبعد أن توصلت إلى معرفة مثل هذا الحامل المعقول فلا أحتاج إلى البحث عن أسباب جديدة خارجه. ومثلاً لنأخذ العربة الأخيرة من عربات قطار.. هذه العربة تجرّها العربة التي أمامها، وهذه تجرها التي أمامها... وهكذا حتى نصل إلى القاطرة، أي المحرك الذي يجر القطار. وعندما نصل إلى المحرك نقول "إن هذا المحرك يحرك نفسه بنفسه". هذه الأمثلة المعطاة من الأشياء التي خلقها الله. فمهما غيّر هؤلاء المخدوعون الأسباب، وانتقلوا من سبب إلى آخر، فإنهم سيصلون حتماً إلى سبب لا يستطيعون التقدم بعده إلى سبب آخر. عند ذلك سنواجههم ونسألهم "ها هي نهاية الأسباب! ماذا بعد؟"هناك مسألة أخرى تعكر صفو بعض العقول وهي أن التفكير المحدود لبني الإنسان لا يستطيع هضم مفهوم الأزل وإدراكه، لذا نراه يضفي صفة الأزلية على المادة، ثم يرى احتمال وقوع أشياء غير معقولة في الماضي السحيق الذي لا تستطيع الأرقام إيضاحه.قبل كل شيء إن الأزل ليس نهاية الزمان الماضي، إنه لا زمان. فلو بلغت الأزمان (كاتريليون x كاتريليون) سنة لما بلغ عشر معشار الأزل. بينما يعرف الجميع تقريباً الآن بأن المادة التي هي أساس تسلسل الأسباب لها بداية معيّنة. فحركات الألكترونات، وأسرار فيزياء نواة الذرة، والعمليات الغامضة التي تجري في الشمس وتؤدي إلى إطلاق الإشعاعات، والقانون الثاني للديناميكا الحرارية (الثرموديناميك)، وهو القانون الشامل للكون يشير إلى أن لكل شيء نهاية. كل هذه الأمور أدلة بضخامة النجوم وبوضوح وبريق الشموس، وكل شيء له نهاية لا بد أن تكون له بداية، وهذا أمر واضح قد لا يحتاج إلى أي نقاش.لذا فإن أي شيء أسبغت عليه نعمة الوجود يشير إلى الخالق ويدل عليه، كذلك فإن انطفاء وجوده وفنائه يدل على أنه (أي الخالق) لا أوّل له ولا آخر. لأنه إن كانت القاعدة الآتية صحيحة وهي "من كانت له بداية كانت له نهاية"، كان من الضروري "أن من لم تكن له بداية لم تكن له نهاية". لذا فإننا نرى أن المادة وكل شيء نبع منها إن كان موجوداً اليوم فهو غير موجود غداً. ولكن سير الكون البطيء نحو الفناء، والفناء التدريجي للمادة قد يخدع الكثيرين. ولكن مصير هذه العوالم -التي نمت وتوسعت ضمن عهود طويلة- هو إلى الفناء. أجل إن المادة مع أنها موجودة اليوم، فإنها -على ضوء بعض الأبحاث- متوجهة دون شك نحو التغير. والآن لنوضح هذا بمثال قطار أيضاً:لنفرض أن قطاراً توجه من مدينة "إِزْمِير" نحو "تُورْكُوتْلُو" التي تبعد عنها 55 كم. ولنفرض أن سرعة القطار كانت 55 كم/ساعة عند بداية الرحلة، أي أن الرحلة ستستغرق ساعة واحدة. سار القطار بهذه السرعة نصف ساعة ثم هبطت سرعته إلى النصف بعد أن بقي من المسافة 27،5 كم، أي أنه سيقطع نصف هذه المسافة فقط في نصف ساعة، ولنفرض أن القطار كلما سار نصف ساعة أنقص سرعته إلى النصف... وهكذا، مثل هذا القطار يبدو أنه لن يصل إلى مدينة "تُورْكُوتْلُو" أبداً. ومع أن القطار سيصل حتماً إلى هذه المدينة إلاّ أن راكب القطار قد يتصور أنه لن يصل إلى المدينة أبداً بهذه السرعة المتناقصة.وشبيه بهذا فإن المادة سائرة نحو التحلل والتجزؤ. وسيتحقق هذا وإن كان بعد عدة ملايين من السنين، أي أن كل شيء فانٍ سواه تعالى.. سوى الموجود الذي لا يستند وجوده إلى شيء آخر غيره.والخلاصة أن الله موجود وهو خالق كل شيء. وتوهم أنه مخلوق تفكير ساذج يسند إلى الخالق صفة المخلوق ولا يميز الفرق بين الخالق وبين المخلوق. والملحدون والمنكرون الذين أبرزوا هذا التصور والوهم -الذي يجفل منه الإنسان ويرتجف- أرادوا الظهور بمظهر العقل وهم لا يدرون أنهم سقطوا في تناقض صارخ مع العقل ومع المنطق. فمن يستطع اليوم ادعاء أزلية المادة أو إنكار الألوهية؟! فمثل هذا الادعاء لم يعد غريباً فحسب بل علامة على الجهل والتعصب.ولكن مع أن بعض الماديين الذين لم يستطيعوا النفوذ إلى معنى الأشياء والحوادث لا يدركون الفناء والتحلل المقبلين على المادة ولا الفناء الذي تنتظره الذرة سيبقون -حتى يوم إدراكهم هذه الحقائق- وراء بياناتهم وادعاءاتهم هذه لخداع بعض السذج والبسطاء. والله الذي أحاط علماً بكل شيء هو أعلم بحقيقة الأمر.الهوامش[1] مسلم، الإعتصام 3.الجواب: كثيراً ما يُطرح هذا السؤال. وأنا أُعد هذا السؤال علامة ودليلاً من أدلة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأمام تحقق ما أخبر به من أخبار الغيب أنكس رأسي وأقول "أشهد أن محمداً رسول الله". السؤال: بما أن جميع الأنبياء ظهروا من شبه جزيرة العرب، فكيف يكون الذين يعيشون في البلدان الأخرى مسؤولين من ناحية العقيدة والعمل؟الجواب: لهذا السؤال شقان؛ الأول: ظهور الأنبياء في شبه جزيرة العرب فقط وعدم ظهورهم في البلدان والقارات الأخرى. والثاني: ليس من العدل تعذيب الأمم التي لم يرسل لها الأنبياء. والآن لنتناول كل شق على حدة، إلاّ أنه من المفيد بل من الضروري التنبيه أولاً إلى مكانة الأنبياء بين الناس.النبوة مرتبة سامية جداً. فهي الغصن المدلَى من الحق تعالى إلى الخلق، وهي قلب الغيب ولسانه ووجوده من وراء هذا العالم الأرضي. وفيها تتجلى عملية سمو وعملية اختيار واصطفاء وعملية تكليف وإرسال. وليس النبي مجرد عبقري يملك عقلاً كبيراً يستطيع النفوذ إلى صلب الأحداث. فالنبي هو إنسان الأفق الذي تكون جميع ملكاته وقابلياته في ذروة الحركة والفعالية وفي نشاط دائمي موّاج يرسم في تموجه أفقاً جديداً من السمو، وتكون هذه الفعالية متوجهة إلى استقبال النسائم الإلهية في كل أمر. الجسم عنده في إمرة الروح والعقل في إمرة القلب. ونظره متوجه على الدوام إلى عالم الأسماء والصفات الإلهية، وتصل قدمه إلى كل ما يصل إليه بصره من موضع، أي هما دائماً معاً. أما المشاعر عند النبي فتكون نامية ومتفتحة حتى آخر برعم فيها. وقابليته في الرؤية والسمع والإدراك تتجاوز حدودها الاعتيادية والطبيعية. وليس من الممكن لنا أبدا في إطار قابليتنا في التحليل والتركيب أن نصل أو حتى أن نقترب من آفاق علوم الأنبياء علومهم التي تكاد تشق الحدود الطبيعية.تستطيع الإنسانية بواسطة هؤلاء الأنبياء اكتشاف ماهية الأشياء. ولا يمكن النفوذ الكامل إلى طبيعة الأشياء وحقائق الأحداث خارج إرشادهم وتعليمهم، ولا التدخل الصائب في الطبيعة دون إرشادهم.كانت الوظيفة الأولى والدرس الأول لهم هو تقديم أسرار الطبيعة وقوانينها الإلهية إلى البشرية. وكان هذا الدرس خاصاً بالمبتدئين. ثم قاموا بشرح الأسماء والصفات للخالق العظيم الذي يشهد الكون والوجود كله عليه، والمقاييس الدقيقة في حق هذا الخالق الذي هو وراء كل إدراك. فهذا الخالق الذي يمسك كل هذه العوالم بيد قُدرته، بدءً من الذرات حتى مجموعات المجرات، ويسري فيها حكمه، ويقلّبها كيف يشاء كحبات سبحة ويحولها من حال إلى حال، ومن شكل إلى شكل... لو لم تكن هناك بيانات الأنبياء الواضحة حول صفات هذه الذات العلوية المقدسة لَما كان من الممكن إطلاق أي حكم صحيح أو التفكير بشكل صحيح في حقه سبحانه وتعالى.إذن فإن النبي إضافة إلى نفوذه إلى قلب الأشياء وحقائق الأحداث وإلقائه علينا دروساً في الحياة بكاملها إلاَّ أنّ أهم دروسه هو شرح صفات وأسماء صاحب القدرة اللانهائية والعلاقات والموازنات الدقيقة الموجودة بين الأسماء الحسنى والصفات وبين الذات الإلهية.لذا فليس هناك أي احتمال أن يخلو أو يحرم أي بلد من البلدان ولا أي زمن من الأزمان من فيض أنوارهم. وكيف يمكن ورود هذا الاحتمال والبشرية لم تعرف خارج نطاق إرشاداتهم أي أحكام صافية وواضحة لعالم الوجود، ولم تستطع الإرتفاع فوق شكوك وشبه وتناقض الفلسفة وترددها وضبابيتها في هذا الخصوص. لذا فإن العقل والحكمة والقرآن يتفقون على أن كل أمة وكل قارّة وفي كل عهد كانت تحت وصاية وإرشاد نبي، ولا يمكن ورود أو احتمال العكس.فبينما نرى حاجة كل متحف صغير أو معرض صغير إلى مسؤولين عن التشريفات وإلى أدِلاء، وأن زيارة هذه المتاحف والمعارض تفقد معناها وغايتها وتكون عبثاً في غياب المرشدين والأدِلاء؛ لذا فكيف يمكن تصور مجيء الزوار إلى القصر الفخم لهذا الكون من دون وجود أدلاء ومرشدين يدلون الزوار إلى خصائص هذا القصر الفخم وإلى أسراره؟وهل هناك أي احتمال أن القادر المطلق جل جلاله الذي خلق هذا الكون وهذا النظام، وجعل هذا الكون معرضاً للفن الإلهي بأرْوع صوره، والذي عرّف نفسه لمشاهديه بآثاره وبدائعه، فهل يعقل أنه بعد عرضه كل هذه الآثار والمعارض الربانية لا يختار أشخاصاً متميزين ليقوموا بتعريف ذاته وأسمائه وصفاته إلى هؤلاء المشاهدين المشتاقين فيكون كل ما عمله من أعمال حكيمة -حاشا لله- عبثاً، ويعرض إجراءاته الحكيمة للاتهام؟ بينما كل شيء يخبرنا بلسان واحد وبنغمة واحدة بأن القادر المطلق حكيمٌ في كل شؤونه ومنـزّهٌ عن العبث ومتعالٌ عن ذلك.هذا علاوة على أن الله تعالى يقول في كتابه الكريم عن ظهور الأنبياء في كل أمة ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل:36). ولكن البشرية سرعان ما نسيتْ الدروس التي تلقتها من هؤلاء الأشخاص العظام، وانحرفت عن الصراط السوي عن طريق تقديس هؤلاء الأنبياء وتأليههم، فعادتْ إلى الوثنية مرة أخرى. وهناك مئات من الأوثان التي خلقها الخيال الانساني ممتدة من جبل الآلهة في اليونان حتى نهر كنج في الهند، وهذه الأديان مختلفة في وضعها وشكلها الحالي عن وضعها وشكلها في بداية ظهورها اختلافاً كبيراً.لذا لا يمكن النظر إلى "كونفشيوس" الصين أو إلى "براهما" و"بوذا" الهند من زاوية الشروط والظروف المعروفة التي هيأتْ ظهورهم. فالزمن يبلي كل شيء، وتتغير خلاله نظرات الإنسان وقيمه. لذا فمن الصعوبة بمكان تخمين المدى الذي تغير فيه وضْع هؤلاء وانحرف وضعه الأصلي وموقفه كما هو في بداية أمره.لو لم يقم القرآن الكريم -ببيانه المزيل لكل الشبه[1]- بإعلامنا وإخبارنا عن عيسى عليه السلام لَما كان بالإمكان معرفة حقيقته داخل جدران الكنائس ضمن مفاهيم القسس والرهبان الذين يقومون حول تماثيل عيسى عليه السلام بمراسيم اختلطت بها شعائرالوثنية. إذ أن رفع البشر إلى مرتبة الألوهية وتنـزيل الذات الإلهية إلى مرتبة البشر، والدخول في تناقض عقلي صارخ من أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وتحريف العقيدة وتشويهها وتزييف العقل والمنطق لَهو أعظم صفاقة وجحود تجاه الله تعالى.ونحن نشاهد الآن أن الشعائر المسيحية المحرفة في معابدها لا تختلف كثيراً من ناحية الشكل عن الوثنية اليونانية والرومانية. ولولا البيان القرآني، ولولا توضيحاته فإن من يشاهد الكنيسة وما يجري فيها يصعب عليه تمييز المسيح عليه السلام عن "أبولّو".لذا فإذا كانت المسيحية قد حرفت كتابها ونبيها كل هذا التحريف وهي قريبة الظهور من عصرنا، إذن فكم من مسيح وجد في القرون الأبعد وكم منهم تعرض إلى تحوير دينه وتحريف صورته في أذهان الناس. «عن بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان من نبيّ إلاّ كان له حواريون يهدون بهديه ويستنّون بسنّته ثم يكون من بعدهم أقوام يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما ينكرون»[2]، وهذا مهم جدّا. أجل! فكم من دين نراه الآن ديناً باطلا نبع من نبع صاف في بدايته وكان الوحي مصدره، ولكنه نتيجة جهل أتباعه والعداء الظالم لأعدائه انقلب بجميع أُسسه إلى مجموعة من الخرافات والأوهام.إذن فإن معظم الأديان ذات المظاهر الباطلة والتي استمرت ووصلت إلى أيامنا الحالية كانت مستندة في الماضي إلى أسس متينة وصالحة وصافية في الأكثر. والظاهر أن كل عصر كان يحمل سمة وختم نبي من الأنبياء.إن إسناد النبوة إلى شخص ليس بنبي يُعد كفراً ككفر إنكار نبوةِ نبيّ. إن الإنسان لا يملك نفسه من النظر نظرة شك إلى منشإ البوذية أو الاقتراب بحذر كبير من "البراهمة". بل يجب حتى البحث عمّا وراء الفلسفة العقيمة الضيقة للكونفيشيوسية أيضاً. وأعتقد أن من الاحتياط النظر إلى "الشامانية"[3] على أساس أنها تعرضت لكثير من التأويلات.وسواء أكانت منابع هذه الأديان وبداياتها صافية أم يشوبها بعض الكدر فإنه مما لا يختلف فيه أحد أنها كانت مختلفة عن وضعها الحالي. فهي تعرضت إما لتآكل الزمن، أو تعرضت لتراكمات وإضافات جديدة مما أدى إلى تغيرها واختلافها عن حالها الأول. ولو فرضنا المستحيل ورجع مؤسسوها إلى الحياة مرة أخرى لما عرفوا الأديان التي جاءوا بها.هناك أديان كثيرة في الدنيا تعرضت إلى التحريف والتغيير، ومن الضروري قبول أن القسْم الأكبر منها كانت صافية المنبع. والقرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر:24)، فيعطي بذلك حكماً عالَمياً شاملاً. ولكننا لا نعرف من الأنبياء الذين ظهروا في كل العالم والذي يبلغ عددهم حسب إحدى الروايات 124 ألف نبي[4].. لا نعرف سوى 28 نبياً. ومع ذلك فنحن لا نعرف أماكن وأزمنة هؤلاء الأنبياء ولا نملك معلومات كافية عنهم.ثم إننا غير مكلفين بمعرفة جميع الأنبياء الذين جاءوا إلى الدنيا. والقرآن الكريم يقول: ﴿وَلَقَد أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُم مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَنْ لَمْ نَقْصُصْ﴾ (غافر:78)، أي أنه نبه إلى عدم الخوض أو المماراة في موضوع الأنبياء الذين لم يتم تعريفهم لنا.ولكن من المعلوم من علم تاريخ الأديان والفلسفة والأنتروبولوجيا وجود نقاط مشتركة عديدة في العقيدة بين كثير من المجتمعات الإنسانية مع أنها متباعدة بعضها عن البعض الآخر بعداً كبيراً. فمثلاً يلاحظ في جميعها التوجه من التعددية إلى الواحدية. وعند التعرض إلى مصيبة كبيرة لا يمكن تحملها يُنبذ كل شيء جانباً وتفتح الأيدي في حضرة ذات علية، وترفع الأيدي إلى الأعلى دائماً... أي هناك تشابه في مظاهر السلوك والتصرف عندما يتعلق الأمر بشيء وراء الطبيعة. وهذا يشير إلى وحْدة المنبع ووحدة المعلّم. فمن السكان الأصليين في جزر الكناري إلى الملايا، ومن الهنود الحمر إلى قبائل الماوماو نرى الشعائر الدينية نفسها، والألوان والديكور نفسه والأنغام نفسها أو المتشابهة مع بعضها.والملاحظات التي سجلها الأستاذ الدكتور محمود مصطفى حول قبيلتين وحشيتين وبدائيتين جداً تؤيد هذا الأمر. إذ يقول الدكتور محمود بأن قبيلة الماوماو تعتقد بإله اسمه "موجاي". وهذا إله واحد في ذاته وفي إجراءاته. وهو لم يُولَد من أحد ولم يلِد أحداً، لا شبيه له ولا ند، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأفهام، ولكنه يُعرف بآثاره. وينقل عن قبيلة "نيام نيام" أشياء مشابهة لعقيدة قبيلة "الماوماو"، إذ يعتقدون بإله حاكم على كل شيء، قادر على أن يحرك ويوجه كل شيء في الغابة حسب إرادته ويرسل شرارات البرق على الأشرار... أي يؤمنون بالمعبود المطلَق.وكما تبيَّن فإن العقيدة الإلهية لهؤلاء القوم تتشابه كثيراً مع ما ورد في القرآن الكريم حول عقيدة الذات الإلهية، بل نستطيع أن نقول إن "الماوماو" يعبرون تقريباً عن المعنى الوارد في سورة الإخلاص. إذن فمِن أين استطاع هؤلاء الأقوام -البدائيون البعيدون جداً عن المدنية وعن ساحة تأثير الأنبياء الذين نعرفهم- الوصول إلى مثل هذه العقيدة الإلهية العميقة والصافية في الوقت الذي لم يصلوا إلى معرفة أبسط قوانين الحياة؟ إذن فالآية: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُم قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ﴾ (يونس:47) توضح حقيقة عالمية شاملة، وليست هناك أرض خارجة عن نطاقها.وسمعت من الأستاذ "عادل زينل" أستاذ الرياضيات من مدينة "كركوك" في العراق والذي تعرفت به سنة 1968 شيئا شبيها بما نقله الدكتور محمود مصطفى، إذ قال بأنه خِلال دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية كان كثيراً ما يلتقي بالسكان الأصليين لأمريكا من الهنود الحمر وأنه استغرب جداً من بعض أمورهم. قال "كان السكان الأصليون يرتبون شعائر دينية فيما بينهم، وكانت هذه الشعائر منسجمة مع عقيدة التوحيد. إذ رأيتهم يؤمنون بإله لا يأكل ولا يشرب ولا يمر عليه الزمن -أي فوق الزمن- وكانوا يكررون قولهم بأن كل ما يجري في الكون إنما يجري حسب إرادته ومشيئته، وكذلك يتحدثون عن كثير من الصفات السلبية والوجودية.[5] ولم تكن مثل هذه الأفكار العالية والسامية تتلاءم أو تتوازى مع حياتهم البدوية البسيطة والبدائية".إذن فإنه لا يمكن تفسير العقيدة بين الشرق والغرب وبين الأطراف القاصية من الدنيا إلاّ بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى هذه البلدان وإلى هذه الأرجاء، لأنه يستحيل إرجاع مثل هذه العقيدة التوحيدية المتوازنة التي لا يستطيع إدراكها كبار الفلاسفة إلى اجتهاد وإلى فكر هؤلاء الأقوام البدائيين من أمثال قبائل الـ"ماوماو" أو قبائل الـ"نيام نيام أو" قبائل الـ"مايا". إذن فإن صاحب الرحمة الواسعة الذي لم يترك النحل والنمل دون أم، لم يترك نوع البشر دون أنبياء، بل أرسلهم إلى جميع بقاع الأرض لينشروا فيها النور.والآن لنأت إلى الشق الثاني من السؤال وهو هل يُعذب من لم يَر نبياً؟لقد رأينا في جواب الشق الأول أن أي بقعة من الأرض لم تخْل من نور النبوة. ومع أنه مرت أوقات جفاف مؤقتة، إلاّ أن الرحمة الإلهية سرعان ما كانت تهطل أمطاراً غزيرة. لذا فكل فرد سمع -قليلاً كان أم كثيراً- بهذه الرحمة أو شاهدها أو ذاقها أو شبع منها. ولكن في البقاع التي كان التحريف فيها سريعاً نرى سرعة هجوم زمن الفترة[6] بظلامه على تلك البقاع، أي أن فترات النور والظلام كانت متعاقبة، والذين وقعوا دون إرادتهم في فترة من فترات الظلام نرى الرحمة الإلهية تنجدهم ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء:15). إذن فالإنذار أولاً، والتكليف ثانياً، ثم العذاب أو الرحمة.صحيح أن أئمة المذاهب لهم آراء مختلفة في فروع هذا الأمر، فالإمام الماتريدي وأتباعه مثلاً لا يرى أي عذر لأي شخص في عدم معرفة وجود الله ولا سيما بعد آلاف البراهين والإدلة التي تشير إليه والتي يزخر بها الكون. أما الأشعريون فيقولون بأن معنى الآية: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء:15) هو إشارة إلى أن استحقاق العذاب لا يكون إلا بعد التبليغ.وهناك من يوفق بين الرأيين فيقول: إن كان هناك شخص لم ير أي نبي ولكنه لم يعبد صنَما ولم يلحد بالله فهو من أهل النجاة، ذلك لأن هناك كثيرا من الناس المحرومين من قابلية التحليل والتركيب الفكري، كما لا يستطيعون استنباط المعاني من سير الأمور والأحداث. لذا يجب أولاً إرشاد أمثال هؤلاء، ثم نرى عما إذا كانوا يستحقون الثواب أو العقاب. ولكن إن كان هناك من اتخذ الكفر مهنة له ومسلكاً، ويفلسف هذا الكفر، ويعلن الحرب ضد الله، فسيَلقى جزاء إلحاده وكفره وإن كان في أقصى الأرض.وكنتيجة نستطيع أن نقول إنه ما من بقعة أو بلد خلا من الأنبياء، وأنه ما من زمن "فترة" طويل خال من الأنبياء. فإنسان كل عهد أخذ نصيبه من النسيم العطر الذي أحدثه نبي من الأنبياء. أما في الأماكن التي نُسي فيها اسم النبي وذكْره وبهتت آثاره بفعل مرور الزمن وتأثيره، فقد أطلق تعبير "الفترة" على هذه العهود حتى ظهور نبي آخر، وبأن إنسان مثل هذه العهود -أي عهود الفترة- سيُغفر له ولكن بشرط ألا يكفر بالله ويلحد به عن سابق قصد وشعور. والله تعالى المحيط بعلمه بكل شيء هو أعلم بالصواب.الهوامش[1] انظر: المائدة 72-73، 116-117، النساء 171.[2] صحيح ابن حبان، 14/71.[3] الشامانية: دين بدائي من أديان شمالي آسيا يتميز بالاعتقاد بوجود عالم محجوب هو عالم الالهة والشياطين وارواح السلف. وان هذا العالم لا يستجيب الاّ للشامان وهو كاهن يستخدم السحر لمعالجة المرضى ولكشف المخبأ والسيطرة على الأحداث. (عن قاموس المورد)[4] المسند للإمام أحمد، 5/265؛ صحيح بن حبان 2/77؛ المستدرك للنيسابوري، 2/652.[5] الصفات السلبية والوجودية: أي الصفات الإلهية مثل الوجود والقدم والوحدانية ومخالفته للحوادث والقيام بذاته. مثلا: صفة الوجود تسلب صفة العدم، وصفة الوحدانية تسلب التعدد، وصفة القدم تسلب الفناء.[6] عهد الفترة: الزمن الماضي بين نبيَّين أو رسولين. (المترجم)المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 8 ديسمبر 1978؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي. السؤال: لقد بيّن القرآن الكريم أن الإرادة الكلّيّة لله تعالى وحده. ومعلوم كذلك أن للإنسان إرادة جزئية.. فإذا كان الأمر هكذا، فالإنسان حين يقترف الإثم، هل يتبع إرادته الجزئية أم الإرادة الكلية لله تعالى؟الجواب: نستطيع أن نعبر باختصار عن هذا الموضوع فنقول إن هناك إرادة للإنسان سواءٌ أأطلقنا عليها تعبير "الإرادة الجزئية" أم "المشيئة الإنسانية" أم "الكسب الإنساني". ولنطلق تعبير "الإرادة الكلية" أو "القدرة على الخلق" أو "الإرادة التكوينية" -وكلها من صفات الله تعالى- على صفة الخلق عند الله. وعندما يتم تناول المسألة من الجانب المتعلق بالله تعالى يبدو وكأن الله تعالى يفرض إرادته ويجبر الحوادث أن تأخذ مجرى معيّناً. وهكذا يدخل الجبر في المسألة، أو يتم تناول المسألة من الجانب المتعلق بالإنسان فتبدو وكأن الإنسان يعمل أعماله بنفسه، أي أن "كل إنسان هو خالق لعمَله" وهذا مذهب المعتزلة.الله خالق كل ما يحدث في الكون، وهذا هو معنى "الإرادة الكلية" الواردة في السؤال. ومعنى ﴿وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعْمَلُونَ﴾(الصافات:96) أي خلقكم وخلق الأعمال الصادرة منكم.مثلاً إن قمت بعمل سيارة أو ببناء بيت فالله هو خالق هذه الأعمال، لأنك أنت وأفعالك تعودان لله تعالى. ولكن هناك أشياء تعود إليك في هذه الأفعال وهي "كسبك" و "مباشرتك". وهذا الكسب شرط عادي وسبب بسيط، فيشبه تماماً قيام شبكة كهربائية ضخمة بإنارة منطقة واسعة جداً بمجرد قيامك بالضغط على زر واحد. فكما لا يمكن هنا القول بأنك لم تفعل شيئاً ولم يكن لك أي دخل في الموضوع كذلك لا يمكن القول بأن هذه الإضاءة والإنارة تعود تماماً إليك. العمل يعود تماماً إلى الله تعالى، ولكن الله تعالى عندما خلق هذه الأعمال قبل تدخلك الجزئي هذا وعده شرطاً عادياً وبنى ما سيفعله على هذا التدخل الجزئي.مثلاً، إن الله تعالى هو الذي أسس آلية الكهرباء الموجودة في هذا الجامع وجعلها صالحة للعمل وللشغل، وهو الذي حقق عملية التنوير، لأن إحداث النور من تيار الألكترونات وتنوير الجامع يُعد فعلاً. وهذا الفعل يعود إلى "نور النور" و"منور النور" و"مصور النور"، أي إلى الله تعالى. ولكن هناك مباشرة عائدة لك في موضوع تنوير هذا الجامع، وهي القيام بالضغط على زر فقط في هذه الآلية التي وضعها الله تعالى، أي أن عملية التنوير وآليته ووظيفته التي تتجاوز قدرتك وطاقتك وإرادتك تعود إلى الله تعالى.لنضرب مثلاً آخر... لنفرض وجود ماكنة جاهزة للعمل وللشغل، وأن وظيفتك تنحصر فقط في الضغط على زر واحد فيها. إن تحْريك هذه الماكنة يعود إلى من أنشأها وصنعها في الحقيقة. لذا نحن نطلق على المباشرة الضئيلة العائدة للإنسان صفة "الكسب" أو "الإرادة الجزئية" ونطلق على ما يعود إلى الله تعالى صفة "الخلق". وهكذا يظهر أمامنا تقسيم للإرادة:1. الإرادة الكلية2. الإرادة الجزئيةومعنى الإرادة هو التوجه والمشيئة، وهذه تعود إلى الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ (الانسان:3). يجب ألاّ يُساء فهم هذا، لأننا عندما نقول إن للعبد نسبة صغيرة من الإرادة تتمثل في ضغط أصبع نكون قد افترقنا عن الجبرية الصرفة. وعندما نقول إن الله هو خالق العمل نفترق عن فكر المعتزلة وعن أصحاب الفلسفة العقلانية (صلى الله عليه وسلمasyonalizim). وهكذا لا نكون قد أشركنا أحداً في ربوبية الله وألوهيته تعالى، ولا وضعنا له نداً تعالى عن ذلك علواً كبيراً. فكما أن الله تعالى واحد أحد في ذاته، كذلك لا يُشرك في أفعاله وإجراءاته أحداً غيره. الله هو خالق كل شيء ولكنه من أجل التكليف والامتحان ومن أجل أسرار وحكم أخرى قبل مباشرة البشر وكسبهم كشرط عادي. ولكي أُكسب الموضوعَ وضوحاً أكثر فإني أُورد هنا مثالاً ذكره أحد كبار العلماء. يقول هذا العالم:"إذا أخذت طفلاً عاجزاً ضعيفاً على عاتقك، وخيّرته قائلاً: إلى أين تريد الذهاب، فسآخذك إليه. وطلب الطفل الصعود على جبلٍ عالٍ، وأنت أخذته إلى هناك، ولكن الطفل تمرض أو سقط. فلا شك أنك ستقول له: أنت الذي طلبت! وتعاقبه، وتزيده لطمة تأديب. وهكذا -ولله المثل الأعلى- فهو سبحانه أحكم الحاكمين جعل إرادة عبده الذي هو في منتهى الضعف شرطاً عادياً لإرادته الكلية".[1]هل في وسعك إنكار إرادة الصبي هنا؟ لا تستطيع، لأنه هو صاحب الطلب. ولكنك كنت أنت الذي ذهبت به إلى ذلك المكان. أما المرض فلم يكن من عمل الصبي، وإنما صدر منه الطلب فقط. هنا يجب التمييز بين من أعطى المرض وبين من جلب الصبي إلى هناك وبين من طلب المجيء.نحن ننظر بهذا المعنى وبهذا المنظار إلى القدر وإلى الإرادة الإنسانية. والله تعالى المقدر لكل شيء هو الأعلم بالصواب.الهوامش[1] الكلمات لبديع الزمان سعيد النورسي، الكلمة السادسة والعشرون / المبحث الثاني / المثال السابع.المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 14 أكتوبر 1977؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي. السؤال: ورد في القرآن الكريم أن ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾(الكهف:17). وهناك أيضاً ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(الكهف:29) أي أن الله قد منح الإنسان العقل والتفكر وله إرادته وهداه الله السبيلين أيما شاء سلك. كيف يمكننا أن نؤلّف بين كلا الأمرَين؟الجواب: هناك شقان في هذا السؤال: جريان الأمور هل هو حسب الإرادة الإلهية الكلية، أم حسب الإرادة الإنسانية؟ ففي الآية الواردة ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ (الكهف:17) معنى الهداية هو الطريق الصحيح والرشد، وهو طريق الأنبياء. أما الضلالة فهو الطريق المنحرف، وفقدان الطريق الصحيح، والابتعاد عن الاستقامة.إن أمْعنا النظر نرى أن كلا منهما عمل وفعل، ويعدان من الوجهة البشرية فعلاً عاملاً. لذ أوجب إرجاعهما إلى الله تعالى لأن كل فعل -كما قلنا سابقاً- يرجع إلى الله تعالى، وليس هناك أي عمل لا يرجع إليه. أجل، فالضلالة مرتبطة باسمه "المضل" والهداية مرتبطة باسمه "الهادي". فهو الذي يعطي كِليهما.ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد للعبد أي دخل وأي كسب، إنما يدفع إلى الضلالة من قبل الله جبراً، أو يساق إلى الهداية سوقاً، فيكون ضالاّ ومنحرفاً في الحالة الأولى، ومهتدياً وراشداً في الحالة الثانية. نستطيع أن نفهم بإيجاز هذا الأمر كما يلي: إن كان الوصول إلى الهداية أو السقوط في الضلالة عملاً بوزن عشرة أطنان مثلا، فلا يملك الإنسان منه عشر المعشار، بل العمل كله لله تعالى.لأذكر مثالاً ملموساً: إن الله يهدي، وللهداية وسائلها مثل الذهاب إلى الجامع... الاستماع للنصائح... تنوير العقل وتثقيفه... كلها من وسائل الهداية. الاستماع إلى القرآن الكريم وتدقيق معانيه والتعمّق فيها من وسائل الهداية أيضاً. التتلمذ في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستماع إلى أقواله بقلب حاضر، والاسترشاد بمرشد وأخذ الدروس منه، والدخول إلى الجوّ الروحي للرسالة وللنبوة وفتح القلب لكل نسائم تجلياته طريق من طرق الهداية، حيث يستطيع الإنسان المباشرة بالطرق المؤدية إلى الهداية. أجل! مع أن المجيء إلى الجامع مباشرة بسيطة إلا أن الله تعالى يجعلها وسيلة للهداية، أي أن الهداية من قِبل الله، ولكن للعبد "كسب" معيّن في طرق باب الهداية.وقد يطرق الإنسان أبواب الخمارات والبارات والأصنام، أي يطرق باب اسم "الْمُضِلّ" ويطلب الضلالة لنفسه. فإن شاء الله أضله وإن شاء جعل أمامه عوائق تمنعه من الانحراف والضلالة. إذن يتضح أن ما في يد الإنسان من شيء ضئيل لا يكفي ولا يستطيع أن يكون سبباً للهداية أو للضلالة.لأضرب هذا المثل: قد تُصغي إلى القرآن الكريم وإلى المواعظ والنصائح وقد تَقرأ كتاباً علمياً جيداً فتحس وكأن الأنوار تشرق في قلبك. بينما عندما يستمع شخص آخر إلى الأذان المحمّدي أو إلى المواعظ أو إلى المناجاة والأدعية الضارعة الخارجة من القلب يحس بضيق ويقول "ما هذه الأصوات المنكرة؟" أي يشكو من أصوات الأذان.إذن فإن الله تعالى هو الذي يعطي الهداية أو الضلالة. ولكن إن سلك أحد طريق الضلالة بعناد فإن الله تعالى يخلق له ما يتبقى من 99,9% من العمل العائد له تماما كعملية الضغط على زر لتشغيل آلة ضخمة ثم يقوم بمحاسبة الإنسان لكونه مال إلى الضلالة ورغب فيها ويعاقبه أو يعفو عنه.المصدر: مسجد "بُورْنُوَا"، 14 أكتوبر 1977؛ الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي.
السؤال: هناك أشخاص أعطاهم الله كل شيء، الأموال الطائلة والسيارات الفارهة والقصور الفخمة والشرف الرفيع والصيت الذائع... بينما الآخرون يتضورون جوعًا وتصيبهم آلام وبلايا ومصائب وفقر وعلل. فيا ترى هل هؤلاء فاسدون والآخرون يحبهم الله حتى أغدق عليهم ما أغدق، بينما هؤلاء ينسحقون تحت وطأة أعباء الحياة؟الجواب: مثل هذا السؤال لا يُسأل إلا من أجل الوصول إلى المعرفة، وإلا فإن السائل يكون آثماً. ومن كان في ضيق فمن الطبيعي أن يَسأل هذا السؤال من أجل الفهم لا الشكوى.يعطي الله تعالى المال والدور والمراكب والعمارة لمن يشاء، ويعطي الفقر وضيق اليد لمن يشاء. ولكن لا يمكن هنا إنكار دور بعض الأسباب كالظروف العائلية وغيرها، كما لا يمكن إنكار قابلية شخص ما وكياسته ودرايته في كسب المال وتنميته، وكذلك لا يمكن إنكار مدى تأثير معرفته بطرق الربح في الأحوال والشروط والظروف المحيطة به أيضاً. ومع هذا فقد لا يؤتي الله تعالى المال لأشخاص مع وجود القابليات عندهم. ومع هذا فقد ورد في حديث ذي مغزى عميق يخص موضوعنا «عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قسَم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ الله عز وجل يعطي الدنيا من يحبُّ ومَن لا يحبّ ولا يُعطي الدِّين إلا لمن أحب فمن أعطاه الله الدِّين فقد أحبَّه»[1]. وهذا له معنى فيما نحن بصدده.ثم إن من الخطإ عد المال والجاه خيراً على الدوام. أجل! فالله سبحانه وتعالى قد يعطي المال والرفاه والسعادة الدنيوية لمن يطلبها وقد لا يعطي. وسواء أأعطى الله تعالى أم لم يعط فهو خير في كلتا الحالتين. ذلك إن كنت شخصاً جيداً واستعملت المال المعطى لك في أمور الخير، فالمال هنا يُعد خيراً. ولكن إن لم تكن شخصاً جيداً، بل كنت منحرفاً عن الصراط القويم فسواء أأعطى الله تعالى المال لك أو لم يعطه فالوضع يكون سيئاً بالنسبة لك.أجل! إن كنت شخصاً غير مستقيم فالفقر يكون عندك وسيلة إلى الكفر، لأنه يحرضك على رفع راية العصيان تجاه ربك. كما إن كنت بعيداً عن الاستقامة فمعنى هذا أنك لا تملك حياة قلبية وروحية صحيحة، لذا فإن الغنى سيكون لك مصيبة وبلاء ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال:28). لقد خسر الكثيرون هذا الامتحان حتى اليوم؛ فكم من غني مع أنه يملك ثروة كبيرة لا يملك في قلبه شرارة نور واحدة بسبب جحوده. لذا فإن إعطاء الله تعالى المال والجاه لهؤلاء يعد استدراجاً[2] أي وسيلة لانحرافهم. ولكن هؤلاء استحقوا هذا لكونهم أماتوا حياتهم القلبية والروحية وقضوا على القابليات الفطرية التي وهبها الله تعالى لهم. من المناسب هنا ذكر هذا الحديث النبوي: «كم مِن أشْعثَ أغْبَر ذي طِمْرَيْن (صاحب ثوبين خلقين) لا يُؤْبَه له لو أقسم على الله لأَبَرّه، منهم البراءُ بن مالكٍ»[3]بينما لم يكن البراء -وهو شقيق أنس- يملك لا طعاماً يأكله ولا داراً يأوي إليها. كان يعيش على الكفاف. وكم من أشعث أغبر مثل البراء كانوا يوقرون ويُنظر إليهم كعظماء ويقيّمون حسب وسعة قلوبهم وعمقها وعظمتها، ونور نفوسهم وضيائها.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 19 سبتمبر 2020 - 15:12 من طرف Admin
» عالم البحار sea world life
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 8:30 من طرف Admin
» الحياة في البرية
الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:12 من طرف Admin
» جولة في النرويج
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 19:17 من طرف Admin
» جولة في اسطمبول
الثلاثاء 25 أغسطس 2020 - 12:09 من طرف Admin
» أكواريوم aquarium
السبت 22 أغسطس 2020 - 16:54 من طرف Admin
» سورة الملك
الخميس 6 أغسطس 2020 - 19:27 من طرف Admin
» الحكم على دنيا باطما بالسجن في قضية حمزة مون بيبي اليوم
الأربعاء 29 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin
» منع السفر من و إلى عدة مدن مغربية قبل عيد الأضحى بسبب كورونا
الأحد 26 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin