بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط البينة على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى البينة الاسلامي على موقع حفض الصفحات
اوقات الصلاة بالرباط
لعبة الصور المتشابهة
السحر ودوافعه وأسبابه_طرق الوقاية_والعلاج
صفحة 1 من اصل 1
السحر ودوافعه وأسبابه_طرق الوقاية_والعلاج
لسحر والشعوذة وخطورتهما على الفرد والمجتمع
ما جعل الله من داء إلا وله دواء، وما من شيء في الكون إلا يسير وفق إرادة الله عز وجل، ومهما بلغ الجن والسحرة فهم تحت ملك الله تعالى، ولهم حدود لا يتجاوزونها، وإن كان الله مكنهم من شيء فهو لابتلائنا وتمحيصنا، وقد شرع الله لدفع السحر وعلاجه من الأدعية الثابتة في القرآن والسنة ما إن قام به العبد عافاه الله وحماه وصانه من كل مكروه.
السحر ودوافعه وأسبابه
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم واجتماعكم في هذا المكان الطيب الطاهر المبارك،كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول، والإخلاص في العمل، وقبل أن نتناول حديثنا اليوم الذي تعلمونه وتعلمون خطره سلفاً، وإنما الحديث فيه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، أقول قبل ذلك، أشكر لهذا الطالب هذا البرعم المبارك بإذن الله عز وجل تلاوته الطيبة الجميلة الرائعة التي سمعناها من كلام الله عز وجل، وهو أخونا (مرزوق العنيزان) فنسأل الله أن يقر عينه وعيني والديه بتمام ختمه وحفظه كلام الله عز وجل كاملاً وأن يثبتنا وإياكم على دينه وسنة نبيه. أيها الأحبة! يقول الله عز وجل: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]. هذه الآية لو كان في قلوب كل منتسب إلى الإسلام حياة، لعلم وأدرك وفهم من دلالاتها أن السحر خطير، وأن مبدأه ومنتهاه وقطب رحاه ومداره على الكفر بالله عز وجل، فشأنه عظيم، ومن دنا منه يوشك أن يمرق من الدين، وأن يحبط عمله بالكلية.......
تعريف السحر
أما تعريفه: فالعرب تسمي كل شيء خفي سببه ولطف ودق تسميه سحراً، ولذلك تقول العرب لشيء خفي، أخفى من السحر، وقال أبو عبيد -من علماء اللغة-: أصل السحر: صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره. وعرفه ابن عقيل من علماء الأحناف بأنه: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية.
أعلى الصفحة
بواعث السحر
ولهذا السحر الذي هو عُقدٌ ونفث وطلاسم وتعاويذ وشعوذة وحروف يتسلط بها الساحر ليحدث أثراً خفياً في نفس المسحور، أو بفعل خفي ليظهر أثراً جلياً أو خفياً على نفس المسحور، هذا السحر له بواعث، فمن بواعثه: الشر والحقد والأذى: فكثيراً ما سمعنا امرأة سحرت ضرتها وما ذاك إلا من شديد الغيرة وعظيم المبالغة في الحقد والكراهية، وكثيراً ما نسمع أن عاملاً سحر مديره، وأن صغيراً سحر رجلاً أكبر منه في ارتباط بينه وبينه على عمل. فربما كانت بواعث السحر حب الأذى أو الانتقام أو الكراهية الشديدة. وكذلك من بواعثه: الرغبة في الثروة والشهرة وجلب الأموال، ففي البلاد التي لا يعتبر السحر فيها جريمة شرعية أو جريمة قانونية نظامية، يقبل طائفة على السحر، فيتعاطونه من أجل جلب الثروة والشهرة والمال، وأيضاً يتعاطاه طائفة ولكن على سبيل الخفية وغير الظهور من أجل جمع الأموال. وأسألكم بالله: هل رأيتم ساحراً ثرياً، هل رأيتم ساحراً غنياً؟ هل رأيتم ساحراً يملك شيئاً يطمئن إليه ويتلذذ به ويستفيد منه؟ الجواب: إن جميع ما يملكه السحرة من الأموال أو من الثروات، ليس لواحد منهم تدبير فيه أبداً وإنما التدبير فيه لأولئك الشياطين الذين يتسخرون له، بسبب هذا السحر أو مقابل ما يفعل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطائفة ولجوا ودخلوا بوابة السحر يريدون أن يجمعوا من وراء ذلك أموالاً ولكن وكما يخبر رجال الهيئة ورجال الأمن والذين يطلعون على خفايا بعض الأمور أنهم إذا قبضوا على كثير من المشعوذين والسحرة وجدوا بيوتهم أضيق البيوت، وروائحهم أنتن الروائح، وثيابهم أقذر الملابس، وأحوالهم أتعس الأحوال، فلا يغبط ساحر على ما ملك، ولا يغبط على ما جمع وإن ادعى وادعى، أو تزيّا وظهر أمام الناس بمظهر السعادة أو الثراء، فإنه في حقيقة أمره عبد مملوك للشياطين والجن الذين يتعاونون معه، أو يسخرهم أو يتصرفون معه في تدبير المكائد والمؤامرات للأبرياء والضعفاء والمساكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وكذلك من بواعث السحر أيضاً: ما يتسلط به بعض الناس لمحاولة إدراك المجهول أو المستقبل.
أعلى الصفحة
قصة فرعون مع سحرته
ولا تظنوا أيها الأحبة! أن أمر السحر فقط موجود بين المسلمين، بل هو موجود بين الكفرة، بل موجود بين أقوام سالفين، وكلكم يعلم قصة موسى وفرعون، وأن فرعون جمع السحرة أجمعين لميقات يوم معلوم، ثم إن فرعون طلب من موسى معجزة فما كان منه إلا أن سلك يده في جيبه، ثم نزعها فإذا هي بيضاء من غير سوء فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107].. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:20] فقال فرعون: إن هذا لسحر، وقال وزراؤه وشياطينه وجلاوزته: إن هذا لمكر وهذا سحر يريد به موسى وأخوه أن يصرفا بني إسرائيل عنك يا فرعون، ويذرك وآلهتك أي: يتركك وملكك وسلطانك وقدرتك، ليصرف الناس عنك إلى غير ذلك. فأمر السحر ليس بجديد وإنما هو قديم وكلكم يعلم أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم ما كان في تلك المناظرة العملية المشهودة التي اجتمع فيها السحرة وموسى بما آتاه الله من ثبات البرهان وقوة اليقين وعزيمة الإيمان، قال: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80] وبين الله عز وجل أن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، ثم إنهم ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، فما كان من موسى عليه السلام بتثبيت الله له، وتأييد الله له إلا أن ألقى تلك العصا، فانقلبت تلك العصا إلى ثعبان ضخم كبير عظيم مهيل، ثم التف هذا الثعبان على جميع ما أتى به السحرة مجتمعين فالتهمها ثم عادت إلى سيرتها الأولى، عادت تلك العصا صغيرة بعد أن ابتلعت كل سحر أتباع وشياطين ووزراء فرعون ومن معه، ولا يعرف السحر إلا من كان من أهل الصنعة وأصحابها. لما رأى السحرة هذه العصا الصغيرة التي رميت على هذا السحر العظيم، على تلك الحبال الكثيرة، على تلك العصي المجتمعة، فما كان من هذه العصا إلا أن تعاظمت وتحولت إلى ثعبان حقيقي، وليست كما يفعل السحرة من تخييل وتصوير ورسوم يظنها الرأي أنها حقيقة، وليست بحقيقة إنما تحولت هذه العصا بأمر الله -الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون- إلى ثعبان عظيم فابتلعت والتهمت كل ذلك، فأيقن أولئك السحرة أن هذا ليس بسحر وإنما هي معجزات؛ لأنهم قد بلغوا في السحر غايته وقد بلغوا في الشعوذة قمتها، وقد بلغوا في الصنعة أعلى أقطابها، فما يظنون ولا يعلمون على وجه الأرض أن أحداً سوف يأتي بسحر أقوى من سحرهم، فعلموا أن هذه إنما هي معجزة ربانية وبرهان إيماني من الله عز وجل لإقامة الحجة على هؤلاء، فما كان من السحرة إلا أن خروا جميعاً ساجدين: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70]. فانزعج فرعون وجن جنونه، وقد كان يجعل السحرة ردأً وحصناً ودرعاً وحزاماً وقوة يلجأ إليها لمواجهة هذا الوحي وتلك الدعوة، فقال: قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الأعراف:123] يريد حتى في قضية العقيدة، وقضية العبودية والفكر والاعتقاد ألا يمارس شيء إلا بإذنه وتدبيره وسلطانه، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تتركوا الباطل إلى الحق، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تدعوا الكفر وتتجهوا إلى الإيمان، لا بد أن تستأذنوا فرعون قبل أن تدعوا ضلالته وتتجهوا إلى الهدى الذي جاء به موسى وهارون. إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123] فأخذ يدعو بالويل والثبور ويرعد ويبرق ويزمجر ويتوعد: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ ثم قال: لأصبلنكم أجمعين، ولأقطعنكم، وأخذ يتوعدهم، فانظروا واعجبوا يا معاشر المؤمنين! كيف تبلغ حلاوة الإيمان مبلغاً يجعل الواحد يستحلي العذاب ويصبر على البلاء ويتحدى المواجهات، فقالوا له: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] تقتل، تصلب، تعذب، تجلد، تصادر، تفعل فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] ما هذه الحياة الدنيا حتى تتوعدنا وتتهددنا بها في مقابل ماذا؟ في مقابل الإيمان بالله إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73] أنت الذي أكرهتنا، وأنت الذي أوردتنا المهالك، وأنت الذي جعلتنا نصل هذه المعاطف، لكنا آمنا بالله الذي سيغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73].
أعلى الصفحة
دوافع السحر
الحاصل أيها الأحبة! أن من دوافع السحر حب التسلط والعظمة، من دوافع السحر حب الانتصار، وكان هذا ما يفعله فرعون لكن جعل الله معجزة نبيه موسى من جنس ما برع فيه شياطين فرعون لتكون المعجزة أقوى وأبلغ، كما أن عيسى كانت معجزته من جنس ما برع فيه قومه، وهم قوم مشهرون بالطب، فكانت معجزة عيسى عليه السلام أنه يداوي ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين طيراً فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. الحاصل أن حب السيطرة والتسلط والاستطلاع وتدبير كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل الترتيبات المستقبلية في صالح هذا الإنسان يستخدمون السحر لأجل ذلك. ولا غرابة إذا قلنا لكم: إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار كان يستخدم السحرة في كثير من استطلاعات الرأي في معارك الانتخابات، وكذلك رجل البقر الكاوبوي رونالد ريجن الذي كان رئيساً للولايات المتحدة أيضاً كان يستعين بالسحرة في معارك الانتخابات وغيرهم وغيرهم كثير. والسحر موجود إلى يومنا هذا عند اليهود في بيعهم وصوامعهم، وعند النصارى في كنائسهم، وربما وقع فيه بعض المسلمين جهلاً، وبعضهم يقع فيه والعياذ بالله ويجهل أنه يفضي به إلى الكفر، ومن علم بذلك فأصر عليه فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ونسأل الله عز وجل السلامة. أيها الأحبة! هذه دوافع السحر: تسلط، وحقد، وكراهية، وتطلع للمستقبل، وشهرة، ولموع، ونجومية بين الناس.
أعلى الصفحة
طرق السحرة لجلب الناس إليهم
ولكن السؤال: إن هؤلاء السحرة لو أعرض الناس عنهم لأصبحت سلعهم بائرة وأصبحت بضائعهم كاسدة، فما الذي جعل سوق السحر عامرة؟ وما الذي جعل أسواق السحر ودكاكين السحر يرتادها الناس بين الفينة والأخرى؟ الجواب: يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]. أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل. لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور. ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل. نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.
أعلى الصفحة
ماهية السحر، وهل هو حقيقة أم خيال؟
أيها الأحبة! تكلم أناس في السحر هل هو ضرب من الخيال أم حقيقة باصرة ماثلة للعيان؟ فطائفة قالوا: إنه كله تخيل لا حقيقة له، ومن الطوائف السالفة السابقة المعتزلة العقلانيون الذين قالوا: إن السحر لا حقيقة له، وإنما هو ضرب وأنواع من الخيال. وطائفة قالوا: السحر كله حقيقة لا خيال فيه. والحقيقة: أن السحر منه ما هو من الخيال ومنه ما هو من الحقيقة. فالسحر له حقيقة وضرب من ضروبه، يؤثر على الإنسان من باب التخيل. قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه وهو يرد على المعتزلة، الذين يقولون: إن السحر كله تخييل، قال: وهذا خلاف ما تواترت الآثار به عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وما يعرفه عامة الفقهاء. ويقول ابن قدامة وهو من أئمة وكبار أئمة المذهب الحنبلي: وللسحر حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن زوجته، وما يبغض أحدهما للآخر، أو يحبب بين اثنين، وهذا قول الشافعي. وبالمناسبة على كلام ابن قدامة رحمه الله أن من السحر ما يحبب بين اثنين، فللأسف أن طائفة من شياطين السحرة أخذوا يستخدمون السحر في الدعارة، فتجدهم والعياذ بالله يسحرون امرأة مسكينة ويعلقونها برجل إن كان قريباً أو بعيداً من غير محارمها ثم والعياذ بالله يقع بينه وبينها من الزنا ولا تجد نفسها إلا أسيرة مملوكة في الغالب لا تستطيع أن تخرج عن إرادة هذا الساحر. واللوطية وأهل الشذوذ والعياذ بالله ومروجو الدعارة وأساطين الفساد والانحلال الأخلاقي كذلك ربما استخدموا هذا السحر من أجل أن يروضوا وأن يجروا من يشاءون ممن يريدون أن يتبادلوا معهم فعل الفواحش أو يفعل بهم الفواحش. من المؤسف أن بعض الشباب قد بدأ بداية ضالة بدعوى حب الاستطلاع والاطلاع على العالم المجهول، بعضهم إذا سافر إلى بلد مجاورة يباع فيها كل شيء مما يضر ولا ينفع، تجد هذا الشاب يشتري كتب السحر ثم يأتي بها ثم يحاول أن يعزم ويعقد ويطلسم وينفث ويكتب ويضع المعادلات والمربعات والحروف والمقطعات من أجل أن يسخر فتى أو أن يوقع امرأة في حباله وشره. والحقيقة كما قلنا أيها الأحبة! أن من السحر ما هو حقيقة وبعضه ما هو تخييل. سُئل الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة؟ أجاب سماحته بأن للسحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك فهذا خيال وليس بحقيقة، انظروا إلى قول الله عز وجل في قصة السحرة من آل فرعون، يقول تعالى: وسَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وفي الآية: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] يعني السحرة أولئك نثروا ورموا تلك الحبال والعصي وسحروا أعين الناس، فتخيل الناس أن هذه العصي والحبال حيات تسعى وبعضها يلتوي على بعض، فجاءت المعجزة أن حية حقيقة وليست خيالاً وهي التي بأمر الله خلقت وبأمر الله انطلقت ابتلعت ذلك السحر كله. ......
حكم من شك أو نازع في ثبوت السحر
ومسألة السحر من شك أو نازع فيها فقد كفر لأنه ثابت، بل سُحر النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، من الذي سحره؟ يهودي: ويبقى اليهود وراء الأذى في كل قضية، ويبقى اليهود هم الذين يتجرءون على ذات الله، يقولون: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64] و قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] ويقولون: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح في اليوم السابع فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]. يبقى اليهود هم الذين يقتلون الأنبياء، هم الذين يؤذون الأنبياء إلى آخر نبي وهو صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التي وضعت السم في الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم هي امرأة يهودية، والرجل الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم هو رجل يهودي. فيا معاشر المؤمنين! أيظن من وراء اليهود خيراً أو يرتجى منهم الأمن أو السلامة من شر، هذا ما كان للأنبياء فكيف نريد أن يكون للمسلمين في دبر الزمان وفي حال الضعف للمسلمين.
أعلى الصفحة
إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر
الشاهد: أن هذا الرجل الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي يقال له لبيد بن الأعصم ، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فحل، أي: من النخيل، وعقد ووضعها، ثم أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، فكان يخيل إليه أنه أتى أهله وما أتاهم، ويخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، لكن الله سبحانه أنجى نبيه من هذا السحر ورقى جبريل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين فشفي وأخرج السحر وحل بإذن الله وبمنِّ الله عز وجل. قد يقول قائل: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر والكفار يقولون: بمعرض احتجاجهم على القرآن إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً [الإسراء:47] وهو يأتي بالوحي فربما جاءنا بوحي أو شرع تشريعاً وهو في حال من السحر؟ نقول: لا. لماذا لأن الوحي الذي هو من عند الله لا يمكن أن يتسلط عليه الشياطين أو السحرة أو البشر، بل إن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثبات بشريته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا نعبده ولا نتوسل به من دون الله، وحتى لا نفزع إليه ولا نلجأ إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم أو فيما لا يقدر عليه إلا الله في حياته، وأما جانب الوحي: فإن الوحي معصوم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال شيئاً من الوحي وهو في حال لا يعقل أو في حال سحر أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن الوحي من عند الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فإذا كان القرآن ينزه أن يكون السحر له تأثير عليه، فكذلك كلامه التشريعي والوحي الذي يقذفه الله إلهاماً وإخباراً وإنباءً من الله لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون سحراً بأي حال من الأحوال. وطائفة قالوا: لا بد نتكلم أو نرد قضية أن النبي سحر حتى لا يتطرق الكلام أو الشك أو الريب والتردد في مسألة الوحي؟ نقول: لا. بل نثب ما ثبت في السنة، ونفهم الأمور على حقيقتها، فكما يقول ابن قيم الجوزية وقبله ابن تيمية رحمه الله: إن منهج الأئمة الأعلام والذين آتاهم الله البصيرة والفقه أنهم لا يردون الأخبار بمجرد إيراد تهمة أو شبهة عليها، وإنما يتدبرون ويعقلون ويفهمون ثم بعد ذلك يصرفون الأمور والأحكام وفق ما دلت عليه النصوص، فلا يكذبون بالنصوص ولا يضربون بعضها ببعض. يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر ، وله كتاب قيم جميل عالم السحر والشعوذة، يقول: السحر أنواع: فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخيلي، ومنه ما هو مجازي وهو الذي يعتمد على خفة اليد والألعاب، لكن حتى هذا السحر الذي يظنون أنه يعتمد على خفة اليد لا يخلو من السحر التخيلي، وأنتم تلاحظون أن ساحراً من السحرة يقف أمام الجماهير ثم ينحني راكعاً لهم، وفي الحقيقة يركع للشياطين قبل ذلك ثم يحيونه بالتصفيق وبالصفير والمكاء والتصدية ثم لا يلبث ويأتي بمنديل ويحركه أمامه ثم يدخله في القبعة، ويخرج ثلاثين أرنباً وأربع حمامات وخمسة قطط، وعد من الغرائب والعجائب من هؤلاء الذين يسحرون الناس وهم في الحقيقة سحرة لا شك في أفعالهم. ويظن ظان أو يقول قائل: إن هذا ضرب من خفة اليد أو شيء من ألعاب السرك ونحو ذلك؟ الحقيقة هي الحقيقة؛ أنه سحر يخيل لهذا الرائي أنه رأى مثل هذه الأمور.
أعلى الصفحة
ما يبذله الساحر ليمكن من السحر
واعلموا أيها الأحبة! أن السحر لا يمكن أن يتسخر لساحر ولا يمكن أن يستطيع ساحر أن يعمل السحر ليصرف أو يحبب أو يبعض أو يقرب أو يفرق أو يؤذي أو يجعل في البدن بلاء، أو يجعل الإنسان ضعيفاً إما عاجزاً عن جماع أهله أو عاجزاً حتى عن أن يتحرك، أو عاجزاً عن التفكير أو يجعله في غيبوبة فكرية، أو في نسيان وشرود ذهني عجيب، لا يمكن أن يستطيع الساحر أن يصل إلى هذه الدرجة إلا بعد أن يجتاز المخالفات العظيمة الكبيرة التي بها يترقى لدرجة السحر بعد الوقوع في الكفر. ولا أريد أن أفيض في بعض الأسباب التي يتأهل بها الساحر للوقوع في هذه الدرجات، أو للسيطرة على مثل هذه الحالات، لكن لتعلموا أن السحرة لا يبلغون هذا إلا بكفر عظيم، وأن الشياطين تطلب من الساحر أن يسجد للأصنام أولاً، وتطلب منه أن يتبول على المصحف، وتطلب منه أن يجعل المصحف في دورة المياه ثم يتبرز عليه، وتطلب منه أشياء عظيمة خطيرة جداً، فلا تتصور أن هذا الساحر استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة، وأن الجن والشياطين قد وقفوا معه هذا الموقف حباً أو كرامة أو انقياداً أو هيبة أو خوفاً من سطوته، أو لما عنده وعند آبائه وأجداده؟ الجواب: لا. إنما هي عملية مقايضة: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] أي: عندما تتعلم هذا السحر وتعرفه تكفر؛ ولأجل ذلك فلا نصدق أن هؤلاء الذين يدعون -وهم من السحرة- أنهم يتعاملون مع الصالحين وأنهم يتعاملون مع هؤلاء وهؤلاء.
أعلى الصفحة
إبطال دعوى السحرة التعامل مع الصالحين
الحقيقة أنهم يتعاملون مع الشياطين، وأذكر في مجلس حضر فيه سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز فسأله سائل قال: أنا رجل أداوي الناس ولي صلة بالجن وهم من الصالحين، ويخبروني عن بعض الأمور ويفعلون ويحققون لي بعض الأمور فما قول سماحتكم بذلك؟ فقال سماحته متع الله به: ما يدريك أنهم صالحون، وهل تعلم أنهم من المنافقين أم من المتقين، وهل تعلم أنهم يصدقون أم يكذبون؟!! فدعوة التعامل مع صالحي الجن أصبحت اليوم معزوفة يغني ويرقص عليها كثير من الذين يأخذون ويتسلقون إلى الجن، إن الطبيب الاستشاري الذي يدرس سبع سنوات طب ثم سنة زمالة، ثم سنة امتياز أو قبلها سنة امتياز ثم زمالة ثم، ثم، ثم، وبعد عمر طويل ويخرج الشيب في لحيته أو في رأسه، وبعد ذلك يكون استشاريّاً أجر كشفيته وأجر فحصه مائة ريال فقط لا غير، لكن يأتي هذا المشعوذ بهذه الدعوى أو يدعي ذلك الكلام كذباً وتطفيفاً على الناس. وقد يكون بعض الناس هو في الحقيقة لا يتعامل، ما كفر لكنه يدعي أنه يتعامل مع صالحي الجن، ويكذب على الناس كذباً صراحاً ثم يأخذ منهم، والمريض مستعد أن يبذل الشيء الكثير، فإذا جيء وقيل له: ما اسم أمك، ما اسم جدتك؟ هل تفعل، ما تفعل؟ أعطنا فنيلتك، أعطنا، أعطنا، ادفع ألف ريال وغداً تعال وخذ شيئاً من التمائم والعزائم والكتابات والمحو والطلاسم وغير ذلك، فتجدهم ينقادون ويستجيبون ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالسحر اتفاق بين السحر والجني على إحداث شيء بالإنسان، وهذا قد يجعل الإنسان إما عاجزاً عن مباشرة زوجته وهو ما يسمى بالربط، أو إحداث نزيف بالمرأة، أو إسقاط للجنين، أو إحداث مرض معين كصداع، أو نوع صمم أو عدم سمع، أو عدم نطق أو شيء من الشلل الجزئي في جزء أو في أجزاء من الشخص، أو إحداث حبٍ أو كراهية ونحو ذلك. لكن حقيقة السحر الذي يستعين به الساحر على فعل ما يريد فعله بالإنسان الذي يراد سحره هو الكفر؛ ولذلك قال عز وجل: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وقد تواتر النقل عمن بحث في أحوال السحر والسحرة أن بينهم تلك العلاقة الكفرية الخطرة بين الجن والشياطين، بل إن بعض الشياطين وبعض مردة الجن يأمرون الساحر أن يأكل النجاسة والحيايا والخشاش والحشرات وغير ذلك، ولا يستطيع أن يرفض لهم طلباً بأي حال من الأحوال.
أعلى الصفحة
ذكر بعض ما مكن الله للجن
فإذا علمنا أن السحر لا يتم إلا بهذا، فهل يبقى في ذهن أحدٍ شك أن السحر مقتضاه ومبدؤه ومعاده وأوله ونهايته مرتبطة بالكفر بالله عز وجل. إن الجن قد يتسخرون في بعض عمليات السحر، والجن مخلوقات موجودة، فالجن ليسوا جمادات إنما هم موجودون. وكذلك من أنكر الجن فقد كفر، وكذلك من أنكر أن الجن يعبثون ويتصرفون ويداخلون بني آدم فقد أنكر شيئاً أصبح شبه متواتر أوشك أن يتم الإجماع عليه بين الناس، لكن الجن كما قال الله عز وجل: إنه يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].......
قدرة الجن على التشكل
الشياطين والجن يروننا ولا نراهم فلهم القدرة على رؤيتنا ولم نعط القدرة على رؤيتهم، وهم يستطيعون أن ينتقلوا انتقالاً سريعاً في أقطار الأرض، ويستطيعون أن يصعد بعضهم على بعض في طبقات الفضاء يسترقون السمع، وربما ضربتهم الشهب التي تفرق جموعهم، ولدى هؤلاء الجن والشياطين القدرة على أن يتشكلوا بأشكال مختلفة، فقد يتشكلون في صورة بشر أو حيوان أو أفعى ونحو ذلك، وبالمناسبة إذا رأى الإنسان كلباً بهيماً أسود أو شيئاً أسود بهيماً من هذه الحيوانات وقد استوحش منها، ورآها فجأة في داره فليعلم أن ذلك من تصور الجن والشياطين، فعليه ألا يبادر بقتلها، بل عليه أن يتعوذ بالله من شرها ثلاث مرات، فإذا لم تزل ولم تخرج ولم تبتعد عنه فحينئذٍ بعد هذا الإنذار فله أن يقتلها، وقد ثبت في الحديث أن أحد الصحابة رضوان الله عليه أقبل على بيته قادماً من الغزو فرأى امرأته عند الباب، فاشتعلت غيرته وسل سيفه يظن أن امرأته خرجت تريد شيئاً آخر فقالت: دونك لا تعجل انظر ما بداخل الدار. فلما دخل وجد ثعباناً أسود عظيماً على فراشه فما كان منه إلا أن سل السيف مرة أخرى واخترطه على هذا الثعبان ثم التف الثعبان عليه فقتله، قال صلى الله عليه وسلم لما أخبر بالأمر: (لا أدري أيهما أعجل بصاحبه) وقال: (إن لهذه الدور عوامر) والمعنى: أن الإنسان إذا رأى في الدار شيئاً مثل ذلك فلا يستنكر ولا يعجب بل عليه أن يقول: نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله العظيم من شرك، نعوذ بالله من شرك اخرج عن دارنا، اخرج عن مكاننا، يحذره ويهدده ثم بعد ذلك إذا لم يستجب بعد ثلاث فله أن يقتله ولا يضره بإذن الله عز وجل. ومعلوم أن الجن والشياطين لديهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، يتشكلون بصورة بشر أو حيوان أو غير ذلك، وأيضاً قد سخرهم الله عز وجل لسليمان، فكانوا سخرة عبيداً بين يدي سليمان عليه السلام يبنون القصور الشاهقة، ويصنعون الصحاف الكبيرة، والقدور الراسية، ويغوصون في أعماق البحار ويستخرجون اللآلئ من جوفها فإذا خالف أحدهم فإن سليمان -قد أوتي ملكاً عظيماً- يصفدهم في الأغلال والأصفاد ولا يخرجون عن ملكه.
أعلى الصفحة
تمكين الأنبياء من الجن
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر للصحابة فقال: (تفلت عليّ البارحة شيطان ليفسد عليّ صلاتي ثم إني أمسكت به حتى وجدت برد لعابه على يدي) أي: شيطان تفلت على النبي صلى الله عليه وسلم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قبض عليه، وخنقه حتى سال لعابه، قال: (فهممت أن أربطه بسارية المسجد ليلعب به الصبيان ويرونه، لكني تذكرت دعوة أخي سليمان عليه السلام وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35] فتركه النبي صلى الله عليه وسلم). ومعلوم أن الشيطان أيضاً يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ثبت في السنة، لكن هؤلاء الشياطين لا يستطيعون أن يأتوا بمعجزات الأنبياء، ولا يستطيعون أن يأتوا بكلام الأنبياء في عصمته وإعجازه، ولا يستطيعون أن يأتوا بشيء من كلام الله، ولا يستطيعون أن يتصوروا بصور الأنبياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رآني فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي) ولا يستطيعون أن يأتوا بمثل كلام الله، قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء:210-212].
أعلى الصفحة
للجن حدود لا يتجاوزونها
وأيضاً لا يستطيعون أن يجاوزوا حدوداً معينة، فلا تظن أن هؤلاء الشياطين يفعلون ما يريدون أو يشتهون، فلهم حدود معينة يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33]. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الشياطين لا تحل قربة أُوْكِيَتْ، ولا تكشف آنية خُمِّرَتْ، ولا تفتح باباً مغلقاً، كل ما عليك أن تقول وأنت تغلق الباب: باسم الله فلا يستطيع أكبر شيطان أن يفتحه. يقول لي أحد الإخوة وكان مبتلىً بتسلط الشياطين في بيته، قال: إذا وضعت المسجل على سورة البقرة بتلاوة بعض الأئمة -مسجل وجهين- أعود فأجد أنه ينطفئ فوراً، قلت: هل تقول: باسم الله حينما تبدأ؟ قال: لا. قلت: ارجع وضع السلك في الفيش وقل: باسم الله وأنت تضع الشريط، وقل: باسم الله وأنت تدير الزر الذي يحرك هذا المسجل ثم انظر هل يستطيعون أن يغلقوه أم لا، قال: ففعلت ذلك فوالله أخذ المسجل أياماً تتكرر هذه السورة في صالة المنزل ما انطفأ وما انقطع لحظة واحدة بإذن الله. كل ما عليك إذا أردت أن تجعل الجن والشياطين في عجز أن يفعلوا معك شيئاً فعليك أن تقول: باسم الله، كثير من الناس يرمي ثيابه ولا يسمي، يتعرى في دورة المياه ولا يسمي، ينتقل من مكانه ولا يسمي قل: باسم الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين الجني وعورات بني آدم ذكر اسم الله عز وجل). لنعلم أن لهؤلاء الشياطين والجن قدرة محدودة لا يستطيعون أن يجاوزوها، ومن ادعى غير ذلك فقد أعطى هؤلاء قدراً أكبر منهم.
أعلى الصفحة
حكم تعاطي السحر
أما حكم السحر والساحر.. فالسحر كفر وتعاطيه كفر ولا يجوز. من الأدلة على ما ذكرناه آنفاً قول الله عز وجل: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وجه الاستدلال: أن الآية رتبت الحكم وهو الكفر على الوصف المناسب وهو السحر، وهذا مشعر بأن العلة في الكفر هو السحر، ومن الأدلة في نفس الآية قول الله عز وجل: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] الآية. وفي الآية التصريح بأن تعلم السحر كفر، قال النووي رحمه الله: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً، بل يعد من الموبقات والكبائر المهلكة العظيمة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام. والسحر المجازي وإن لم يبلغ مبلغ الكفر إلا أنه حرام لما فيه من إفساد عقائد العامة، فإن العامي إذا شاهد ما يفعله الساحر من أمور غريبة لا يعرف سببها ربما اعتقد في الساحر شيئاً من صفات الربوبية فيهلك بذلك. أذكر مرة في كوالالمبور في ماليزيا أننا دخلنا سوقاً وكان معنا بعض الإخوة على إثر زيارة في مهمة، فدخلنا سوقاً من الأسواق فوجدنا الناس قد اجتمعوا على امرأة، فرأينا عجباً وقلنا ما هذا التجمع على المرأة، فجئنا لننظر لماذا يجتمعون، فإذا بهم يجتمعون حول امرأة ساحرة تفعل أشياء فقلت: لأحد الإخوة قف أمامها وسأقف بجوارها أو خلفها وليقرأ كل واحد منا آية الكرسي، والله يا إخوان لما بدأنا نقرأ آية الكرسي تلخبط الأمر في يديها وأخذت تهرش وتمرش في جسمها وشعرها وجلدها وأخذت تتلفت وشعرت بأن من حولها ما يفسد ما تقوله وما تدبره على هؤلاء الحضور. ثم تضاحكنا عجباً من أن هذا الساحر أمره ضعيف، وكيده في تباب، وأمره في ضلال وخسار، لا يستطيع أن يأتي شيئاً بقوة السلاح الذي تحمله وهو أسماء الله وصفاته، آية الكرسي، القرآن العظيم الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحينئذٍ فإنك بإذن الله عز وجل تستطيع أن تسلم وأن تعصم نفسك من شر هذا السحر وأنواعه. ......
عقوبة الساحر
عقوبة الساحر في الإسلام: نوجز مذاهب العلماء في هذه المسألة: القول الأول: بعض أهل العلم بوجوب قتل الساحر من غير استتابة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد، وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة، وعزا القرطبي هذا القول إلى جمهور أهل العلم وهو أن الساحر يقتل ولا هوادة، وقال به من الصحابة عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبو موسى الأشعري. القول الثاني: وجوب قتل الساحر كفراً إذا عمل بسحره أمراً يقتضي كفره، فإن كان سحره بغير الكفر ولكنه فعل سحراً قتل به حداً، فإن جعل السحر آلة للقتل فيقتل قصاصاً ويضرب عنقه، وفي غير هاتين الحالتين يعزر ولا يقتل وهذا مذهب الإمام الشافعي وهو قول للإمام أحمد رحمه الله. والواجب أن نحذر المسلمين عموماً من هؤلاء السحرة وأفعالهم. ويقول: الشيخ ابن باز: فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم ومنع من يتعاطى ذلك، والإنكار عليهم أشد الإنكار، وألا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، وألا يغتر بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم، فإنهم غير راسخين في العلم، بل هم من الجهال لما في إتيانهم من المحذور، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم. ويقول الشيخ ابن عثيمين : والسحرة يجب قتلهم سواء قلنا إنهم كفروا أم لم يكفروا بل لا بد من قتلهم، لعظم ضررهم وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه وبين الزوج وزوجته، وقد يعطفون فيألفون بين الأعداء، ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم... إلى آخر ما قال.......
الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في السحر
الأول: ضعف التوحيد في قلب العبد: فإن العبد الذي يضعف التوحيد في قلبه، ويضعف التوكل على الله عز وجل في نفسه وفؤاده، تراه مسكيناً ضعيفاً؛ ولذلك فإن الشيطان صرح كما أخبر الله عز وجل: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82].. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:40] وقال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42] وقال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ [النحل:99] أي: الشيطان سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99]. فالمخلص العابد المعتني بالطاعة المتوكل على ربه حقيقة التوكل، ليس للشيطان عليه سلطان، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، فمن لم يتحصن بالتوحيد وقع في حبائل السحرة والمشعوذين إذا خططوا ودبروا ذلك وأراد الله ذلك أو كان ذلك بمشيئة الله عز وجل. الثاني: الإسراف على النفس بالذنوب: كذلك أيها الأحبة! كثير ممن يقعون في السحر وحبائله وفخاخه ممن يسرفون على أنفسهم بالذنوب والمعاصي، والله عز وجل يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ويقول عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165] وإن كانت الآيات قد نزلت في غزوة أحد، لكن كما في القواعد الشرعية الأصولية: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]. فالإنسان المضيع للواجبات، المرتكب للمعاصي والمحرمات، والمتساهل بكثير من الأمور؛ فإنه يكون أكثر من غيره وأقرب وأسهل من غيره وعرضة أن يؤثر فيه السحر وأن يقع فيه السحر. الثالث: كذلك من الأسباب التي توقع في ذلك: التساهل في مجالسة هؤلاء السحرة، فإن هؤلاء السحرة بما وقعوا فيه من الأذى لا يرضون أن يكونوا فقط هم الذين يتسخرون للجن من بين سائر من حولهم من جلسائهم وأقربائهم، فتراهم إما أن يسحروهم ثم يوقعونهم ثم يستدرجونهم لكي يقعوا في ذات السحر الذي وقع فيه الساحر، وإما يؤذونهم بذلك أو ليجعلوهم تحت رحمتهم والعياذ بالله، وإما أن يمهدوا بذلك الطريق لكي يكونوا سحرة. فمجالسة السحرة ومجالسة المشعوذين والتساهل بذلك ولو بدعوى الاستطلاع فإنه أمر يفضي إلى الوقوع فيه أو الإصابة به، وما كان صلى الله عليه وسلم ينطق على الهوى لما قال: (من ذهب إلى عراف فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) (ومن ذهب إليه وسأله ولم يصدقه -كما في الحديث- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ذلك من شدة التحذير والتنفير من الوقوع والقرب من هؤلاء السحرة، وما تظنون برجل يجالس السحرة والمشعوذين هل ستكون نهايته أن يحفظ القرآن؟ أو يحفظ الصحيحين؟ أو يفهم مسائل الفقه وأمور الشريعة؟ الجواب: لا، فكل يتعلم من القوم ما عندهم من البضاعة، وكل إناء بالذي فيه ينضح. ......
الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة
أولاً: السحر شرك وعلاجه التوحيد، فمن أراد أن يُشفى أو يداوي مريضاً من السحر فعليه أن يعمق في قلبه قضية لا إله إلا الله، واللجوء إلى الله، والتضرع إلى الله، وأنه لا يكون شيء إلا بتدبير الله، وأنه لا يفعل أحد شيئاً لم يأذن به الله، ولا يستطيع أحد أن يقرب ما بعّده الله، أو يقبض ما بسطه الله، أو يعطي ما منعه الله، أو يدفع ما قدره الله، إذا اشتعل وتألق الإيمان والتوحيد والعقيدة في قلب الإنسان فإنه بإذن الله يكون من أعظم أسباب وقايته وشفاءه من السحر. ثانياً: ومن السبل أيضاً: الاستعاذة بالله عز وجل: فإن السحر فيه نزغات، والله عز وجل يقول: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200].. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97]. ومعلوم أن القواقل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، من أعظم الأسباب التي يدفع بها السحر بإذن الله عز وجل. ثالثاً: تقوى الله. رابعاً: الصدق مع الله عز وجل، الصدق مع الله سبحانه وتعالى، وأعجبني قصة فتاة كانت ممبتلاة بألم في رجلها أو في ساقها وفخذها وطلبوا الأطباء وأعيتهم الحيل، فجاءهم رجل عرفوا أنه مشعوذ ساحر فيما بعد، لكنه قال: أريد منكم أن تفعلوا كذا وتأتوا بكذا وتقولوا كذا وتذبحوا كذا، فقالت الفتاة: إن أراد الله أن يشل قدمي الأخرى ولا أفعل ما يقول هذا الساحر، فما أجمل التقوى وما أجمل التسليم، وما أجمل الانقياد لله عز وجل. وقد يبتلي الله عبداً من عباده ببلاءٍ عظيم كما في الحديث: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة) قد يقدر الله على عبد بلاء من أنواع البلاء أو سقماً من أنواع الداء والسقم ليرفع درجاته وليكفر سيئاته، لمنزلة لا يبلغها بعمله، لكن الله اختار له منزلة، فبلغها بصبره على هذا البلاء، الشاهد أن الصبر والتقوى من خير ما يدفع به السحر وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120]. خامساً: العناية بالصدقة والإحسان فإنها من الأسباب التي تدفع البلاء والسحر والحسد بإذن الله عز وجل. سادساً: الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة، يقول ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية، بل هي من أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية ودفع تأثير هذه الأرواح الخبيثة السفلية يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كان أقوى وأشد كان أبلغ في دفع السحر، وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل منهما عدته وسلاحه فأيهما غلب على الآخر قهره وكان الحكم له. ثم يقول ابن القيم كلاماً جميلاً يكتب بماء الذهب: فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، مغموراً بذكر الله، وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به، يطابق فيه قلبه لسانه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له. ومن أعظم العلاجات له بعدما يصيبه، لكي نحمي أنفسنا أيها الأحبة من هذه الشرور علينا أن نلهج بذكر الله، وألا تزال ألسنتنا دائماً لاهجة بذكر الله سبحانه وتعالى، وهناك أذكار بعينها تدفع الشر بأنواعه منه السحر، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب -يعني كمن أعتق عشر رقاب- وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل مثل عمله أو أكثر من ذلك) الحديث متفق عليه.......
ترك الصلاة مما يوقع في أعمال السحرة
كذلك من الأسباب التي توقع الإنسان أي يكون عرضة لما يراد به من السحر وبضدها تكون حرزاً وحصناً من الوقوع فيه، أو الابتلاء به الصلاة مع الجماعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فالذي لا يحرص على الصلاة مع الجماعة، ويتهاون بالجماعة، وينقر صلاته في بيته وحده، فذلك عرضة إذا دبر له مكيدة سحر أن يقع. فيا إخوان! كيد السحرة كثير ومنتشر في هذا الزمان، لكن الكثير من الذين يحافظون على صلاة الفجر ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الصلوات مع الجماعة ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الأذكار ما يؤثر فيهم السحر، لا تظنوا أن قلة أو ندرة المصابين بالسحر دليل على أنه أمر نادر جداً! لا، إن كيد السحرة كثير لكن الله عز وجل يدفع كيدهم بالأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الأذكار وأداء الصلوات مع الجماعة، فالحديث الذي بين أنه ما من ثلاثة في بدو أو حضر أو ق
ما جعل الله من داء إلا وله دواء، وما من شيء في الكون إلا يسير وفق إرادة الله عز وجل، ومهما بلغ الجن والسحرة فهم تحت ملك الله تعالى، ولهم حدود لا يتجاوزونها، وإن كان الله مكنهم من شيء فهو لابتلائنا وتمحيصنا، وقد شرع الله لدفع السحر وعلاجه من الأدعية الثابتة في القرآن والسنة ما إن قام به العبد عافاه الله وحماه وصانه من كل مكروه.
السحر ودوافعه وأسبابه
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم واجتماعكم في هذا المكان الطيب الطاهر المبارك،كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول، والإخلاص في العمل، وقبل أن نتناول حديثنا اليوم الذي تعلمونه وتعلمون خطره سلفاً، وإنما الحديث فيه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، أقول قبل ذلك، أشكر لهذا الطالب هذا البرعم المبارك بإذن الله عز وجل تلاوته الطيبة الجميلة الرائعة التي سمعناها من كلام الله عز وجل، وهو أخونا (مرزوق العنيزان) فنسأل الله أن يقر عينه وعيني والديه بتمام ختمه وحفظه كلام الله عز وجل كاملاً وأن يثبتنا وإياكم على دينه وسنة نبيه. أيها الأحبة! يقول الله عز وجل: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102]. هذه الآية لو كان في قلوب كل منتسب إلى الإسلام حياة، لعلم وأدرك وفهم من دلالاتها أن السحر خطير، وأن مبدأه ومنتهاه وقطب رحاه ومداره على الكفر بالله عز وجل، فشأنه عظيم، ومن دنا منه يوشك أن يمرق من الدين، وأن يحبط عمله بالكلية.......
تعريف السحر
أما تعريفه: فالعرب تسمي كل شيء خفي سببه ولطف ودق تسميه سحراً، ولذلك تقول العرب لشيء خفي، أخفى من السحر، وقال أبو عبيد -من علماء اللغة-: أصل السحر: صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره. وعرفه ابن عقيل من علماء الأحناف بأنه: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية.
أعلى الصفحة
بواعث السحر
ولهذا السحر الذي هو عُقدٌ ونفث وطلاسم وتعاويذ وشعوذة وحروف يتسلط بها الساحر ليحدث أثراً خفياً في نفس المسحور، أو بفعل خفي ليظهر أثراً جلياً أو خفياً على نفس المسحور، هذا السحر له بواعث، فمن بواعثه: الشر والحقد والأذى: فكثيراً ما سمعنا امرأة سحرت ضرتها وما ذاك إلا من شديد الغيرة وعظيم المبالغة في الحقد والكراهية، وكثيراً ما نسمع أن عاملاً سحر مديره، وأن صغيراً سحر رجلاً أكبر منه في ارتباط بينه وبينه على عمل. فربما كانت بواعث السحر حب الأذى أو الانتقام أو الكراهية الشديدة. وكذلك من بواعثه: الرغبة في الثروة والشهرة وجلب الأموال، ففي البلاد التي لا يعتبر السحر فيها جريمة شرعية أو جريمة قانونية نظامية، يقبل طائفة على السحر، فيتعاطونه من أجل جلب الثروة والشهرة والمال، وأيضاً يتعاطاه طائفة ولكن على سبيل الخفية وغير الظهور من أجل جمع الأموال. وأسألكم بالله: هل رأيتم ساحراً ثرياً، هل رأيتم ساحراً غنياً؟ هل رأيتم ساحراً يملك شيئاً يطمئن إليه ويتلذذ به ويستفيد منه؟ الجواب: إن جميع ما يملكه السحرة من الأموال أو من الثروات، ليس لواحد منهم تدبير فيه أبداً وإنما التدبير فيه لأولئك الشياطين الذين يتسخرون له، بسبب هذا السحر أو مقابل ما يفعل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطائفة ولجوا ودخلوا بوابة السحر يريدون أن يجمعوا من وراء ذلك أموالاً ولكن وكما يخبر رجال الهيئة ورجال الأمن والذين يطلعون على خفايا بعض الأمور أنهم إذا قبضوا على كثير من المشعوذين والسحرة وجدوا بيوتهم أضيق البيوت، وروائحهم أنتن الروائح، وثيابهم أقذر الملابس، وأحوالهم أتعس الأحوال، فلا يغبط ساحر على ما ملك، ولا يغبط على ما جمع وإن ادعى وادعى، أو تزيّا وظهر أمام الناس بمظهر السعادة أو الثراء، فإنه في حقيقة أمره عبد مملوك للشياطين والجن الذين يتعاونون معه، أو يسخرهم أو يتصرفون معه في تدبير المكائد والمؤامرات للأبرياء والضعفاء والمساكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وكذلك من بواعث السحر أيضاً: ما يتسلط به بعض الناس لمحاولة إدراك المجهول أو المستقبل.
أعلى الصفحة
قصة فرعون مع سحرته
ولا تظنوا أيها الأحبة! أن أمر السحر فقط موجود بين المسلمين، بل هو موجود بين الكفرة، بل موجود بين أقوام سالفين، وكلكم يعلم قصة موسى وفرعون، وأن فرعون جمع السحرة أجمعين لميقات يوم معلوم، ثم إن فرعون طلب من موسى معجزة فما كان منه إلا أن سلك يده في جيبه، ثم نزعها فإذا هي بيضاء من غير سوء فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107].. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه:20] فقال فرعون: إن هذا لسحر، وقال وزراؤه وشياطينه وجلاوزته: إن هذا لمكر وهذا سحر يريد به موسى وأخوه أن يصرفا بني إسرائيل عنك يا فرعون، ويذرك وآلهتك أي: يتركك وملكك وسلطانك وقدرتك، ليصرف الناس عنك إلى غير ذلك. فأمر السحر ليس بجديد وإنما هو قديم وكلكم يعلم أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم ما كان في تلك المناظرة العملية المشهودة التي اجتمع فيها السحرة وموسى بما آتاه الله من ثبات البرهان وقوة اليقين وعزيمة الإيمان، قال: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80] وبين الله عز وجل أن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، ثم إنهم ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، فما كان من موسى عليه السلام بتثبيت الله له، وتأييد الله له إلا أن ألقى تلك العصا، فانقلبت تلك العصا إلى ثعبان ضخم كبير عظيم مهيل، ثم التف هذا الثعبان على جميع ما أتى به السحرة مجتمعين فالتهمها ثم عادت إلى سيرتها الأولى، عادت تلك العصا صغيرة بعد أن ابتلعت كل سحر أتباع وشياطين ووزراء فرعون ومن معه، ولا يعرف السحر إلا من كان من أهل الصنعة وأصحابها. لما رأى السحرة هذه العصا الصغيرة التي رميت على هذا السحر العظيم، على تلك الحبال الكثيرة، على تلك العصي المجتمعة، فما كان من هذه العصا إلا أن تعاظمت وتحولت إلى ثعبان حقيقي، وليست كما يفعل السحرة من تخييل وتصوير ورسوم يظنها الرأي أنها حقيقة، وليست بحقيقة إنما تحولت هذه العصا بأمر الله -الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون- إلى ثعبان عظيم فابتلعت والتهمت كل ذلك، فأيقن أولئك السحرة أن هذا ليس بسحر وإنما هي معجزات؛ لأنهم قد بلغوا في السحر غايته وقد بلغوا في الشعوذة قمتها، وقد بلغوا في الصنعة أعلى أقطابها، فما يظنون ولا يعلمون على وجه الأرض أن أحداً سوف يأتي بسحر أقوى من سحرهم، فعلموا أن هذه إنما هي معجزة ربانية وبرهان إيماني من الله عز وجل لإقامة الحجة على هؤلاء، فما كان من السحرة إلا أن خروا جميعاً ساجدين: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:70]. فانزعج فرعون وجن جنونه، وقد كان يجعل السحرة ردأً وحصناً ودرعاً وحزاماً وقوة يلجأ إليها لمواجهة هذا الوحي وتلك الدعوة، فقال: قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الأعراف:123] يريد حتى في قضية العقيدة، وقضية العبودية والفكر والاعتقاد ألا يمارس شيء إلا بإذنه وتدبيره وسلطانه، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تتركوا الباطل إلى الحق، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تدعوا الكفر وتتجهوا إلى الإيمان، لا بد أن تستأذنوا فرعون قبل أن تدعوا ضلالته وتتجهوا إلى الهدى الذي جاء به موسى وهارون. إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف:123] فأخذ يدعو بالويل والثبور ويرعد ويبرق ويزمجر ويتوعد: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ ثم قال: لأصبلنكم أجمعين، ولأقطعنكم، وأخذ يتوعدهم، فانظروا واعجبوا يا معاشر المؤمنين! كيف تبلغ حلاوة الإيمان مبلغاً يجعل الواحد يستحلي العذاب ويصبر على البلاء ويتحدى المواجهات، فقالوا له: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] تقتل، تصلب، تعذب، تجلد، تصادر، تفعل فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] ما هذه الحياة الدنيا حتى تتوعدنا وتتهددنا بها في مقابل ماذا؟ في مقابل الإيمان بالله إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73] أنت الذي أكرهتنا، وأنت الذي أوردتنا المهالك، وأنت الذي جعلتنا نصل هذه المعاطف، لكنا آمنا بالله الذي سيغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه:73].
أعلى الصفحة
دوافع السحر
الحاصل أيها الأحبة! أن من دوافع السحر حب التسلط والعظمة، من دوافع السحر حب الانتصار، وكان هذا ما يفعله فرعون لكن جعل الله معجزة نبيه موسى من جنس ما برع فيه شياطين فرعون لتكون المعجزة أقوى وأبلغ، كما أن عيسى كانت معجزته من جنس ما برع فيه قومه، وهم قوم مشهرون بالطب، فكانت معجزة عيسى عليه السلام أنه يداوي ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين طيراً فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. الحاصل أن حب السيطرة والتسلط والاستطلاع وتدبير كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل الترتيبات المستقبلية في صالح هذا الإنسان يستخدمون السحر لأجل ذلك. ولا غرابة إذا قلنا لكم: إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار كان يستخدم السحرة في كثير من استطلاعات الرأي في معارك الانتخابات، وكذلك رجل البقر الكاوبوي رونالد ريجن الذي كان رئيساً للولايات المتحدة أيضاً كان يستعين بالسحرة في معارك الانتخابات وغيرهم وغيرهم كثير. والسحر موجود إلى يومنا هذا عند اليهود في بيعهم وصوامعهم، وعند النصارى في كنائسهم، وربما وقع فيه بعض المسلمين جهلاً، وبعضهم يقع فيه والعياذ بالله ويجهل أنه يفضي به إلى الكفر، ومن علم بذلك فأصر عليه فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ونسأل الله عز وجل السلامة. أيها الأحبة! هذه دوافع السحر: تسلط، وحقد، وكراهية، وتطلع للمستقبل، وشهرة، ولموع، ونجومية بين الناس.
أعلى الصفحة
طرق السحرة لجلب الناس إليهم
ولكن السؤال: إن هؤلاء السحرة لو أعرض الناس عنهم لأصبحت سلعهم بائرة وأصبحت بضائعهم كاسدة، فما الذي جعل سوق السحر عامرة؟ وما الذي جعل أسواق السحر ودكاكين السحر يرتادها الناس بين الفينة والأخرى؟ الجواب: يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]. أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل. لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور. ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل. نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.
أعلى الصفحة
ماهية السحر، وهل هو حقيقة أم خيال؟
أيها الأحبة! تكلم أناس في السحر هل هو ضرب من الخيال أم حقيقة باصرة ماثلة للعيان؟ فطائفة قالوا: إنه كله تخيل لا حقيقة له، ومن الطوائف السالفة السابقة المعتزلة العقلانيون الذين قالوا: إن السحر لا حقيقة له، وإنما هو ضرب وأنواع من الخيال. وطائفة قالوا: السحر كله حقيقة لا خيال فيه. والحقيقة: أن السحر منه ما هو من الخيال ومنه ما هو من الحقيقة. فالسحر له حقيقة وضرب من ضروبه، يؤثر على الإنسان من باب التخيل. قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه وهو يرد على المعتزلة، الذين يقولون: إن السحر كله تخييل، قال: وهذا خلاف ما تواترت الآثار به عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وما يعرفه عامة الفقهاء. ويقول ابن قدامة وهو من أئمة وكبار أئمة المذهب الحنبلي: وللسحر حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن زوجته، وما يبغض أحدهما للآخر، أو يحبب بين اثنين، وهذا قول الشافعي. وبالمناسبة على كلام ابن قدامة رحمه الله أن من السحر ما يحبب بين اثنين، فللأسف أن طائفة من شياطين السحرة أخذوا يستخدمون السحر في الدعارة، فتجدهم والعياذ بالله يسحرون امرأة مسكينة ويعلقونها برجل إن كان قريباً أو بعيداً من غير محارمها ثم والعياذ بالله يقع بينه وبينها من الزنا ولا تجد نفسها إلا أسيرة مملوكة في الغالب لا تستطيع أن تخرج عن إرادة هذا الساحر. واللوطية وأهل الشذوذ والعياذ بالله ومروجو الدعارة وأساطين الفساد والانحلال الأخلاقي كذلك ربما استخدموا هذا السحر من أجل أن يروضوا وأن يجروا من يشاءون ممن يريدون أن يتبادلوا معهم فعل الفواحش أو يفعل بهم الفواحش. من المؤسف أن بعض الشباب قد بدأ بداية ضالة بدعوى حب الاستطلاع والاطلاع على العالم المجهول، بعضهم إذا سافر إلى بلد مجاورة يباع فيها كل شيء مما يضر ولا ينفع، تجد هذا الشاب يشتري كتب السحر ثم يأتي بها ثم يحاول أن يعزم ويعقد ويطلسم وينفث ويكتب ويضع المعادلات والمربعات والحروف والمقطعات من أجل أن يسخر فتى أو أن يوقع امرأة في حباله وشره. والحقيقة كما قلنا أيها الأحبة! أن من السحر ما هو حقيقة وبعضه ما هو تخييل. سُئل الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة؟ أجاب سماحته بأن للسحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك فهذا خيال وليس بحقيقة، انظروا إلى قول الله عز وجل في قصة السحرة من آل فرعون، يقول تعالى: وسَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وفي الآية: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] يعني السحرة أولئك نثروا ورموا تلك الحبال والعصي وسحروا أعين الناس، فتخيل الناس أن هذه العصي والحبال حيات تسعى وبعضها يلتوي على بعض، فجاءت المعجزة أن حية حقيقة وليست خيالاً وهي التي بأمر الله خلقت وبأمر الله انطلقت ابتلعت ذلك السحر كله. ......
حكم من شك أو نازع في ثبوت السحر
ومسألة السحر من شك أو نازع فيها فقد كفر لأنه ثابت، بل سُحر النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، من الذي سحره؟ يهودي: ويبقى اليهود وراء الأذى في كل قضية، ويبقى اليهود هم الذين يتجرءون على ذات الله، يقولون: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64] و قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] ويقولون: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح في اليوم السابع فأنزل الله قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]. يبقى اليهود هم الذين يقتلون الأنبياء، هم الذين يؤذون الأنبياء إلى آخر نبي وهو صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التي وضعت السم في الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم هي امرأة يهودية، والرجل الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم هو رجل يهودي. فيا معاشر المؤمنين! أيظن من وراء اليهود خيراً أو يرتجى منهم الأمن أو السلامة من شر، هذا ما كان للأنبياء فكيف نريد أن يكون للمسلمين في دبر الزمان وفي حال الضعف للمسلمين.
أعلى الصفحة
إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر
الشاهد: أن هذا الرجل الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي يقال له لبيد بن الأعصم ، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فحل، أي: من النخيل، وعقد ووضعها، ثم أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، فكان يخيل إليه أنه أتى أهله وما أتاهم، ويخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، لكن الله سبحانه أنجى نبيه من هذا السحر ورقى جبريل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين فشفي وأخرج السحر وحل بإذن الله وبمنِّ الله عز وجل. قد يقول قائل: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر والكفار يقولون: بمعرض احتجاجهم على القرآن إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً [الإسراء:47] وهو يأتي بالوحي فربما جاءنا بوحي أو شرع تشريعاً وهو في حال من السحر؟ نقول: لا. لماذا لأن الوحي الذي هو من عند الله لا يمكن أن يتسلط عليه الشياطين أو السحرة أو البشر، بل إن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثبات بشريته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا نعبده ولا نتوسل به من دون الله، وحتى لا نفزع إليه ولا نلجأ إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم أو فيما لا يقدر عليه إلا الله في حياته، وأما جانب الوحي: فإن الوحي معصوم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال شيئاً من الوحي وهو في حال لا يعقل أو في حال سحر أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن الوحي من عند الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فإذا كان القرآن ينزه أن يكون السحر له تأثير عليه، فكذلك كلامه التشريعي والوحي الذي يقذفه الله إلهاماً وإخباراً وإنباءً من الله لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون سحراً بأي حال من الأحوال. وطائفة قالوا: لا بد نتكلم أو نرد قضية أن النبي سحر حتى لا يتطرق الكلام أو الشك أو الريب والتردد في مسألة الوحي؟ نقول: لا. بل نثب ما ثبت في السنة، ونفهم الأمور على حقيقتها، فكما يقول ابن قيم الجوزية وقبله ابن تيمية رحمه الله: إن منهج الأئمة الأعلام والذين آتاهم الله البصيرة والفقه أنهم لا يردون الأخبار بمجرد إيراد تهمة أو شبهة عليها، وإنما يتدبرون ويعقلون ويفهمون ثم بعد ذلك يصرفون الأمور والأحكام وفق ما دلت عليه النصوص، فلا يكذبون بالنصوص ولا يضربون بعضها ببعض. يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر ، وله كتاب قيم جميل عالم السحر والشعوذة، يقول: السحر أنواع: فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخيلي، ومنه ما هو مجازي وهو الذي يعتمد على خفة اليد والألعاب، لكن حتى هذا السحر الذي يظنون أنه يعتمد على خفة اليد لا يخلو من السحر التخيلي، وأنتم تلاحظون أن ساحراً من السحرة يقف أمام الجماهير ثم ينحني راكعاً لهم، وفي الحقيقة يركع للشياطين قبل ذلك ثم يحيونه بالتصفيق وبالصفير والمكاء والتصدية ثم لا يلبث ويأتي بمنديل ويحركه أمامه ثم يدخله في القبعة، ويخرج ثلاثين أرنباً وأربع حمامات وخمسة قطط، وعد من الغرائب والعجائب من هؤلاء الذين يسحرون الناس وهم في الحقيقة سحرة لا شك في أفعالهم. ويظن ظان أو يقول قائل: إن هذا ضرب من خفة اليد أو شيء من ألعاب السرك ونحو ذلك؟ الحقيقة هي الحقيقة؛ أنه سحر يخيل لهذا الرائي أنه رأى مثل هذه الأمور.
أعلى الصفحة
ما يبذله الساحر ليمكن من السحر
واعلموا أيها الأحبة! أن السحر لا يمكن أن يتسخر لساحر ولا يمكن أن يستطيع ساحر أن يعمل السحر ليصرف أو يحبب أو يبعض أو يقرب أو يفرق أو يؤذي أو يجعل في البدن بلاء، أو يجعل الإنسان ضعيفاً إما عاجزاً عن جماع أهله أو عاجزاً حتى عن أن يتحرك، أو عاجزاً عن التفكير أو يجعله في غيبوبة فكرية، أو في نسيان وشرود ذهني عجيب، لا يمكن أن يستطيع الساحر أن يصل إلى هذه الدرجة إلا بعد أن يجتاز المخالفات العظيمة الكبيرة التي بها يترقى لدرجة السحر بعد الوقوع في الكفر. ولا أريد أن أفيض في بعض الأسباب التي يتأهل بها الساحر للوقوع في هذه الدرجات، أو للسيطرة على مثل هذه الحالات، لكن لتعلموا أن السحرة لا يبلغون هذا إلا بكفر عظيم، وأن الشياطين تطلب من الساحر أن يسجد للأصنام أولاً، وتطلب منه أن يتبول على المصحف، وتطلب منه أن يجعل المصحف في دورة المياه ثم يتبرز عليه، وتطلب منه أشياء عظيمة خطيرة جداً، فلا تتصور أن هذا الساحر استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة، وأن الجن والشياطين قد وقفوا معه هذا الموقف حباً أو كرامة أو انقياداً أو هيبة أو خوفاً من سطوته، أو لما عنده وعند آبائه وأجداده؟ الجواب: لا. إنما هي عملية مقايضة: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] أي: عندما تتعلم هذا السحر وتعرفه تكفر؛ ولأجل ذلك فلا نصدق أن هؤلاء الذين يدعون -وهم من السحرة- أنهم يتعاملون مع الصالحين وأنهم يتعاملون مع هؤلاء وهؤلاء.
أعلى الصفحة
إبطال دعوى السحرة التعامل مع الصالحين
الحقيقة أنهم يتعاملون مع الشياطين، وأذكر في مجلس حضر فيه سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز فسأله سائل قال: أنا رجل أداوي الناس ولي صلة بالجن وهم من الصالحين، ويخبروني عن بعض الأمور ويفعلون ويحققون لي بعض الأمور فما قول سماحتكم بذلك؟ فقال سماحته متع الله به: ما يدريك أنهم صالحون، وهل تعلم أنهم من المنافقين أم من المتقين، وهل تعلم أنهم يصدقون أم يكذبون؟!! فدعوة التعامل مع صالحي الجن أصبحت اليوم معزوفة يغني ويرقص عليها كثير من الذين يأخذون ويتسلقون إلى الجن، إن الطبيب الاستشاري الذي يدرس سبع سنوات طب ثم سنة زمالة، ثم سنة امتياز أو قبلها سنة امتياز ثم زمالة ثم، ثم، ثم، وبعد عمر طويل ويخرج الشيب في لحيته أو في رأسه، وبعد ذلك يكون استشاريّاً أجر كشفيته وأجر فحصه مائة ريال فقط لا غير، لكن يأتي هذا المشعوذ بهذه الدعوى أو يدعي ذلك الكلام كذباً وتطفيفاً على الناس. وقد يكون بعض الناس هو في الحقيقة لا يتعامل، ما كفر لكنه يدعي أنه يتعامل مع صالحي الجن، ويكذب على الناس كذباً صراحاً ثم يأخذ منهم، والمريض مستعد أن يبذل الشيء الكثير، فإذا جيء وقيل له: ما اسم أمك، ما اسم جدتك؟ هل تفعل، ما تفعل؟ أعطنا فنيلتك، أعطنا، أعطنا، ادفع ألف ريال وغداً تعال وخذ شيئاً من التمائم والعزائم والكتابات والمحو والطلاسم وغير ذلك، فتجدهم ينقادون ويستجيبون ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالسحر اتفاق بين السحر والجني على إحداث شيء بالإنسان، وهذا قد يجعل الإنسان إما عاجزاً عن مباشرة زوجته وهو ما يسمى بالربط، أو إحداث نزيف بالمرأة، أو إسقاط للجنين، أو إحداث مرض معين كصداع، أو نوع صمم أو عدم سمع، أو عدم نطق أو شيء من الشلل الجزئي في جزء أو في أجزاء من الشخص، أو إحداث حبٍ أو كراهية ونحو ذلك. لكن حقيقة السحر الذي يستعين به الساحر على فعل ما يريد فعله بالإنسان الذي يراد سحره هو الكفر؛ ولذلك قال عز وجل: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وقد تواتر النقل عمن بحث في أحوال السحر والسحرة أن بينهم تلك العلاقة الكفرية الخطرة بين الجن والشياطين، بل إن بعض الشياطين وبعض مردة الجن يأمرون الساحر أن يأكل النجاسة والحيايا والخشاش والحشرات وغير ذلك، ولا يستطيع أن يرفض لهم طلباً بأي حال من الأحوال.
أعلى الصفحة
ذكر بعض ما مكن الله للجن
فإذا علمنا أن السحر لا يتم إلا بهذا، فهل يبقى في ذهن أحدٍ شك أن السحر مقتضاه ومبدؤه ومعاده وأوله ونهايته مرتبطة بالكفر بالله عز وجل. إن الجن قد يتسخرون في بعض عمليات السحر، والجن مخلوقات موجودة، فالجن ليسوا جمادات إنما هم موجودون. وكذلك من أنكر الجن فقد كفر، وكذلك من أنكر أن الجن يعبثون ويتصرفون ويداخلون بني آدم فقد أنكر شيئاً أصبح شبه متواتر أوشك أن يتم الإجماع عليه بين الناس، لكن الجن كما قال الله عز وجل: إنه يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].......
قدرة الجن على التشكل
الشياطين والجن يروننا ولا نراهم فلهم القدرة على رؤيتنا ولم نعط القدرة على رؤيتهم، وهم يستطيعون أن ينتقلوا انتقالاً سريعاً في أقطار الأرض، ويستطيعون أن يصعد بعضهم على بعض في طبقات الفضاء يسترقون السمع، وربما ضربتهم الشهب التي تفرق جموعهم، ولدى هؤلاء الجن والشياطين القدرة على أن يتشكلوا بأشكال مختلفة، فقد يتشكلون في صورة بشر أو حيوان أو أفعى ونحو ذلك، وبالمناسبة إذا رأى الإنسان كلباً بهيماً أسود أو شيئاً أسود بهيماً من هذه الحيوانات وقد استوحش منها، ورآها فجأة في داره فليعلم أن ذلك من تصور الجن والشياطين، فعليه ألا يبادر بقتلها، بل عليه أن يتعوذ بالله من شرها ثلاث مرات، فإذا لم تزل ولم تخرج ولم تبتعد عنه فحينئذٍ بعد هذا الإنذار فله أن يقتلها، وقد ثبت في الحديث أن أحد الصحابة رضوان الله عليه أقبل على بيته قادماً من الغزو فرأى امرأته عند الباب، فاشتعلت غيرته وسل سيفه يظن أن امرأته خرجت تريد شيئاً آخر فقالت: دونك لا تعجل انظر ما بداخل الدار. فلما دخل وجد ثعباناً أسود عظيماً على فراشه فما كان منه إلا أن سل السيف مرة أخرى واخترطه على هذا الثعبان ثم التف الثعبان عليه فقتله، قال صلى الله عليه وسلم لما أخبر بالأمر: (لا أدري أيهما أعجل بصاحبه) وقال: (إن لهذه الدور عوامر) والمعنى: أن الإنسان إذا رأى في الدار شيئاً مثل ذلك فلا يستنكر ولا يعجب بل عليه أن يقول: نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله العظيم من شرك، نعوذ بالله من شرك اخرج عن دارنا، اخرج عن مكاننا، يحذره ويهدده ثم بعد ذلك إذا لم يستجب بعد ثلاث فله أن يقتله ولا يضره بإذن الله عز وجل. ومعلوم أن الجن والشياطين لديهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، يتشكلون بصورة بشر أو حيوان أو غير ذلك، وأيضاً قد سخرهم الله عز وجل لسليمان، فكانوا سخرة عبيداً بين يدي سليمان عليه السلام يبنون القصور الشاهقة، ويصنعون الصحاف الكبيرة، والقدور الراسية، ويغوصون في أعماق البحار ويستخرجون اللآلئ من جوفها فإذا خالف أحدهم فإن سليمان -قد أوتي ملكاً عظيماً- يصفدهم في الأغلال والأصفاد ولا يخرجون عن ملكه.
أعلى الصفحة
تمكين الأنبياء من الجن
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر للصحابة فقال: (تفلت عليّ البارحة شيطان ليفسد عليّ صلاتي ثم إني أمسكت به حتى وجدت برد لعابه على يدي) أي: شيطان تفلت على النبي صلى الله عليه وسلم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قبض عليه، وخنقه حتى سال لعابه، قال: (فهممت أن أربطه بسارية المسجد ليلعب به الصبيان ويرونه، لكني تذكرت دعوة أخي سليمان عليه السلام وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35] فتركه النبي صلى الله عليه وسلم). ومعلوم أن الشيطان أيضاً يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ثبت في السنة، لكن هؤلاء الشياطين لا يستطيعون أن يأتوا بمعجزات الأنبياء، ولا يستطيعون أن يأتوا بكلام الأنبياء في عصمته وإعجازه، ولا يستطيعون أن يأتوا بشيء من كلام الله، ولا يستطيعون أن يتصوروا بصور الأنبياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رآني فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي) ولا يستطيعون أن يأتوا بمثل كلام الله، قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشعراء:210-212].
أعلى الصفحة
للجن حدود لا يتجاوزونها
وأيضاً لا يستطيعون أن يجاوزوا حدوداً معينة، فلا تظن أن هؤلاء الشياطين يفعلون ما يريدون أو يشتهون، فلهم حدود معينة يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33]. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الشياطين لا تحل قربة أُوْكِيَتْ، ولا تكشف آنية خُمِّرَتْ، ولا تفتح باباً مغلقاً، كل ما عليك أن تقول وأنت تغلق الباب: باسم الله فلا يستطيع أكبر شيطان أن يفتحه. يقول لي أحد الإخوة وكان مبتلىً بتسلط الشياطين في بيته، قال: إذا وضعت المسجل على سورة البقرة بتلاوة بعض الأئمة -مسجل وجهين- أعود فأجد أنه ينطفئ فوراً، قلت: هل تقول: باسم الله حينما تبدأ؟ قال: لا. قلت: ارجع وضع السلك في الفيش وقل: باسم الله وأنت تضع الشريط، وقل: باسم الله وأنت تدير الزر الذي يحرك هذا المسجل ثم انظر هل يستطيعون أن يغلقوه أم لا، قال: ففعلت ذلك فوالله أخذ المسجل أياماً تتكرر هذه السورة في صالة المنزل ما انطفأ وما انقطع لحظة واحدة بإذن الله. كل ما عليك إذا أردت أن تجعل الجن والشياطين في عجز أن يفعلوا معك شيئاً فعليك أن تقول: باسم الله، كثير من الناس يرمي ثيابه ولا يسمي، يتعرى في دورة المياه ولا يسمي، ينتقل من مكانه ولا يسمي قل: باسم الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين الجني وعورات بني آدم ذكر اسم الله عز وجل). لنعلم أن لهؤلاء الشياطين والجن قدرة محدودة لا يستطيعون أن يجاوزوها، ومن ادعى غير ذلك فقد أعطى هؤلاء قدراً أكبر منهم.
أعلى الصفحة
حكم تعاطي السحر
أما حكم السحر والساحر.. فالسحر كفر وتعاطيه كفر ولا يجوز. من الأدلة على ما ذكرناه آنفاً قول الله عز وجل: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وجه الاستدلال: أن الآية رتبت الحكم وهو الكفر على الوصف المناسب وهو السحر، وهذا مشعر بأن العلة في الكفر هو السحر، ومن الأدلة في نفس الآية قول الله عز وجل: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] الآية. وفي الآية التصريح بأن تعلم السحر كفر، قال النووي رحمه الله: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً، بل يعد من الموبقات والكبائر المهلكة العظيمة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام. والسحر المجازي وإن لم يبلغ مبلغ الكفر إلا أنه حرام لما فيه من إفساد عقائد العامة، فإن العامي إذا شاهد ما يفعله الساحر من أمور غريبة لا يعرف سببها ربما اعتقد في الساحر شيئاً من صفات الربوبية فيهلك بذلك. أذكر مرة في كوالالمبور في ماليزيا أننا دخلنا سوقاً وكان معنا بعض الإخوة على إثر زيارة في مهمة، فدخلنا سوقاً من الأسواق فوجدنا الناس قد اجتمعوا على امرأة، فرأينا عجباً وقلنا ما هذا التجمع على المرأة، فجئنا لننظر لماذا يجتمعون، فإذا بهم يجتمعون حول امرأة ساحرة تفعل أشياء فقلت: لأحد الإخوة قف أمامها وسأقف بجوارها أو خلفها وليقرأ كل واحد منا آية الكرسي، والله يا إخوان لما بدأنا نقرأ آية الكرسي تلخبط الأمر في يديها وأخذت تهرش وتمرش في جسمها وشعرها وجلدها وأخذت تتلفت وشعرت بأن من حولها ما يفسد ما تقوله وما تدبره على هؤلاء الحضور. ثم تضاحكنا عجباً من أن هذا الساحر أمره ضعيف، وكيده في تباب، وأمره في ضلال وخسار، لا يستطيع أن يأتي شيئاً بقوة السلاح الذي تحمله وهو أسماء الله وصفاته، آية الكرسي، القرآن العظيم الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحينئذٍ فإنك بإذن الله عز وجل تستطيع أن تسلم وأن تعصم نفسك من شر هذا السحر وأنواعه. ......
عقوبة الساحر
عقوبة الساحر في الإسلام: نوجز مذاهب العلماء في هذه المسألة: القول الأول: بعض أهل العلم بوجوب قتل الساحر من غير استتابة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد، وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة، وعزا القرطبي هذا القول إلى جمهور أهل العلم وهو أن الساحر يقتل ولا هوادة، وقال به من الصحابة عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبو موسى الأشعري. القول الثاني: وجوب قتل الساحر كفراً إذا عمل بسحره أمراً يقتضي كفره، فإن كان سحره بغير الكفر ولكنه فعل سحراً قتل به حداً، فإن جعل السحر آلة للقتل فيقتل قصاصاً ويضرب عنقه، وفي غير هاتين الحالتين يعزر ولا يقتل وهذا مذهب الإمام الشافعي وهو قول للإمام أحمد رحمه الله. والواجب أن نحذر المسلمين عموماً من هؤلاء السحرة وأفعالهم. ويقول: الشيخ ابن باز: فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم ومنع من يتعاطى ذلك، والإنكار عليهم أشد الإنكار، وألا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، وألا يغتر بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم، فإنهم غير راسخين في العلم، بل هم من الجهال لما في إتيانهم من المحذور، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم. ويقول الشيخ ابن عثيمين : والسحرة يجب قتلهم سواء قلنا إنهم كفروا أم لم يكفروا بل لا بد من قتلهم، لعظم ضررهم وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه وبين الزوج وزوجته، وقد يعطفون فيألفون بين الأعداء، ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم... إلى آخر ما قال.......
الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في السحر
الأول: ضعف التوحيد في قلب العبد: فإن العبد الذي يضعف التوحيد في قلبه، ويضعف التوكل على الله عز وجل في نفسه وفؤاده، تراه مسكيناً ضعيفاً؛ ولذلك فإن الشيطان صرح كما أخبر الله عز وجل: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82].. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:40] وقال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42] وقال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ [النحل:99] أي: الشيطان سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99]. فالمخلص العابد المعتني بالطاعة المتوكل على ربه حقيقة التوكل، ليس للشيطان عليه سلطان، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، فمن لم يتحصن بالتوحيد وقع في حبائل السحرة والمشعوذين إذا خططوا ودبروا ذلك وأراد الله ذلك أو كان ذلك بمشيئة الله عز وجل. الثاني: الإسراف على النفس بالذنوب: كذلك أيها الأحبة! كثير ممن يقعون في السحر وحبائله وفخاخه ممن يسرفون على أنفسهم بالذنوب والمعاصي، والله عز وجل يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ويقول عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165] وإن كانت الآيات قد نزلت في غزوة أحد، لكن كما في القواعد الشرعية الأصولية: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]. فالإنسان المضيع للواجبات، المرتكب للمعاصي والمحرمات، والمتساهل بكثير من الأمور؛ فإنه يكون أكثر من غيره وأقرب وأسهل من غيره وعرضة أن يؤثر فيه السحر وأن يقع فيه السحر. الثالث: كذلك من الأسباب التي توقع في ذلك: التساهل في مجالسة هؤلاء السحرة، فإن هؤلاء السحرة بما وقعوا فيه من الأذى لا يرضون أن يكونوا فقط هم الذين يتسخرون للجن من بين سائر من حولهم من جلسائهم وأقربائهم، فتراهم إما أن يسحروهم ثم يوقعونهم ثم يستدرجونهم لكي يقعوا في ذات السحر الذي وقع فيه الساحر، وإما يؤذونهم بذلك أو ليجعلوهم تحت رحمتهم والعياذ بالله، وإما أن يمهدوا بذلك الطريق لكي يكونوا سحرة. فمجالسة السحرة ومجالسة المشعوذين والتساهل بذلك ولو بدعوى الاستطلاع فإنه أمر يفضي إلى الوقوع فيه أو الإصابة به، وما كان صلى الله عليه وسلم ينطق على الهوى لما قال: (من ذهب إلى عراف فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) (ومن ذهب إليه وسأله ولم يصدقه -كما في الحديث- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ذلك من شدة التحذير والتنفير من الوقوع والقرب من هؤلاء السحرة، وما تظنون برجل يجالس السحرة والمشعوذين هل ستكون نهايته أن يحفظ القرآن؟ أو يحفظ الصحيحين؟ أو يفهم مسائل الفقه وأمور الشريعة؟ الجواب: لا، فكل يتعلم من القوم ما عندهم من البضاعة، وكل إناء بالذي فيه ينضح. ......
الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة
أولاً: السحر شرك وعلاجه التوحيد، فمن أراد أن يُشفى أو يداوي مريضاً من السحر فعليه أن يعمق في قلبه قضية لا إله إلا الله، واللجوء إلى الله، والتضرع إلى الله، وأنه لا يكون شيء إلا بتدبير الله، وأنه لا يفعل أحد شيئاً لم يأذن به الله، ولا يستطيع أحد أن يقرب ما بعّده الله، أو يقبض ما بسطه الله، أو يعطي ما منعه الله، أو يدفع ما قدره الله، إذا اشتعل وتألق الإيمان والتوحيد والعقيدة في قلب الإنسان فإنه بإذن الله يكون من أعظم أسباب وقايته وشفاءه من السحر. ثانياً: ومن السبل أيضاً: الاستعاذة بالله عز وجل: فإن السحر فيه نزغات، والله عز وجل يقول: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200].. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97]. ومعلوم أن القواقل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، من أعظم الأسباب التي يدفع بها السحر بإذن الله عز وجل. ثالثاً: تقوى الله. رابعاً: الصدق مع الله عز وجل، الصدق مع الله سبحانه وتعالى، وأعجبني قصة فتاة كانت ممبتلاة بألم في رجلها أو في ساقها وفخذها وطلبوا الأطباء وأعيتهم الحيل، فجاءهم رجل عرفوا أنه مشعوذ ساحر فيما بعد، لكنه قال: أريد منكم أن تفعلوا كذا وتأتوا بكذا وتقولوا كذا وتذبحوا كذا، فقالت الفتاة: إن أراد الله أن يشل قدمي الأخرى ولا أفعل ما يقول هذا الساحر، فما أجمل التقوى وما أجمل التسليم، وما أجمل الانقياد لله عز وجل. وقد يبتلي الله عبداً من عباده ببلاءٍ عظيم كما في الحديث: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة) قد يقدر الله على عبد بلاء من أنواع البلاء أو سقماً من أنواع الداء والسقم ليرفع درجاته وليكفر سيئاته، لمنزلة لا يبلغها بعمله، لكن الله اختار له منزلة، فبلغها بصبره على هذا البلاء، الشاهد أن الصبر والتقوى من خير ما يدفع به السحر وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120]. خامساً: العناية بالصدقة والإحسان فإنها من الأسباب التي تدفع البلاء والسحر والحسد بإذن الله عز وجل. سادساً: الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة، يقول ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية، بل هي من أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية ودفع تأثير هذه الأرواح الخبيثة السفلية يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كان أقوى وأشد كان أبلغ في دفع السحر، وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل منهما عدته وسلاحه فأيهما غلب على الآخر قهره وكان الحكم له. ثم يقول ابن القيم كلاماً جميلاً يكتب بماء الذهب: فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، مغموراً بذكر الله، وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به، يطابق فيه قلبه لسانه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له. ومن أعظم العلاجات له بعدما يصيبه، لكي نحمي أنفسنا أيها الأحبة من هذه الشرور علينا أن نلهج بذكر الله، وألا تزال ألسنتنا دائماً لاهجة بذكر الله سبحانه وتعالى، وهناك أذكار بعينها تدفع الشر بأنواعه منه السحر، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب -يعني كمن أعتق عشر رقاب- وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل مثل عمله أو أكثر من ذلك) الحديث متفق عليه.......
ترك الصلاة مما يوقع في أعمال السحرة
كذلك من الأسباب التي توقع الإنسان أي يكون عرضة لما يراد به من السحر وبضدها تكون حرزاً وحصناً من الوقوع فيه، أو الابتلاء به الصلاة مع الجماعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فالذي لا يحرص على الصلاة مع الجماعة، ويتهاون بالجماعة، وينقر صلاته في بيته وحده، فذلك عرضة إذا دبر له مكيدة سحر أن يقع. فيا إخوان! كيد السحرة كثير ومنتشر في هذا الزمان، لكن الكثير من الذين يحافظون على صلاة الفجر ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الصلوات مع الجماعة ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الأذكار ما يؤثر فيهم السحر، لا تظنوا أن قلة أو ندرة المصابين بالسحر دليل على أنه أمر نادر جداً! لا، إن كيد السحرة كثير لكن الله عز وجل يدفع كيدهم بالأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الأذكار وأداء الصلوات مع الجماعة، فالحديث الذي بين أنه ما من ثلاثة في بدو أو حضر أو ق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 19 سبتمبر 2020 - 15:12 من طرف Admin
» عالم البحار sea world life
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 8:30 من طرف Admin
» الحياة في البرية
الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:12 من طرف Admin
» جولة في النرويج
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 19:17 من طرف Admin
» جولة في اسطمبول
الثلاثاء 25 أغسطس 2020 - 12:09 من طرف Admin
» أكواريوم aquarium
السبت 22 أغسطس 2020 - 16:54 من طرف Admin
» سورة الملك
الخميس 6 أغسطس 2020 - 19:27 من طرف Admin
» الحكم على دنيا باطما بالسجن في قضية حمزة مون بيبي اليوم
الأربعاء 29 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin
» منع السفر من و إلى عدة مدن مغربية قبل عيد الأضحى بسبب كورونا
الأحد 26 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin