بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط البينة على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى البينة الاسلامي على موقع حفض الصفحات
اوقات الصلاة بالرباط
لعبة الصور المتشابهة
الله موجود .. وهذه الأدلّة
صفحة 1 من اصل 1
الله موجود .. وهذه الأدلّة
هذا الكون حقّا ما أوسعه ؟
ولكي ندلّل على ذلك ، سنقوم بجولة في هذا الكون الفسيح لنعرف مدى اتّساعه والقوانين التي تحكمه . لكن قبل ذلك ، لا بدّ لنا أن نختار وحدة لقياس مسافاته الهائلة . في ظنّك ، ما هي هذه الوحدة ؟
هل هي الكيلومتر ؟ الألف كيلومتر ؟ المليون كيلومتر ؟
أبدًا ! إنَّ المسافات بين النُّجوم لا يكفي لقياسها حتَّى المليون كيلومتر ، بل لا بُدَّ من مليون المليون ! ذلك أنَّ أقرب نجمٍ إلينا بعد الشَّمس ، وهو ما يُسمَّى بالفرنسيَّة Proxima Centauri والذي ينتمي إلى النّظام المتعدّد النُّجوم Alpha du Centaure، يَبعدُ عنّا حوالي 41 ألف مليار كيلومتر !!
نعم ، هذا أقرب نجم ! فَما بالُك ببقيَّة النُّجوم ؟! لذلك ، اتّجهَ العلماء في حساب المسافات الفلكيّة إلى استعمال سُرعة الضّوء التي تبلغ 300 ألف كلم في الثَّانية . لكنّ هذا الرَّقم ، على كِبَره ، غير كافٍ أيضًا ! فوقع الاتّفاقُ إذًا على السَّنة الضَّوئيَّة ، وهي المسافة التي يقطعُها الضَّوءُ في سَنة من الزَّمن، كَوحْدة للقياس .
السَّنة الضَّوئيّة = 9.5 ألف مليار كيلومتر .
وعلى هذا ، فَعِوَضًا أن نقول أنَّ المسافة التي تَفصلُنا عن النَّجم Proxima Centauri هي 41 ألف مليار كلم ، نقول أنَّها تساوي حوالي 4.3 سَنة ضوئيَّة ، أي أنَّ هذا النَّجم يبعد عنَّا مسيرة 4.3 سَنة بسرعة الضَّوء ، أي أنَّه لو أرسلَ إلينا شُعاعًا من نُوره لَوَصل إلينا هذا الشُّعاع بعد 4 سنوات وثلاثة أشهر ونصف تقريبًا !
أين تقع أرضنا في هذا الكون الفسيح ؟
الأرضُ هي كوكب ينتمي إلى المجموعة الشَّمسيَّة ، وهذه المجموعة تتكوَّن من :
- الشّمس ، طبعًا ، وهي نجم ، وهي المركز الذي تدور حوله الكواكبُ والأقمار التّابعة لها .
- ثمّ تِسْع كواكب ، وهي ، ابتداء من أقربها إلى الشّمس : عُطارد Mercure ، ثمّ الزّهرة Vénus ، ثمّ الأرض Terre ، ثمّ المرّيخ Mars ، ثمّ المشتري Jupiter ، ثمّ زُحل Saturne ، ثمّ أورانس Uranus (اكتُشف سنة 1781 م) ، ثمّ نبتيون Neptune (اكتُشف سنة 1846 م) ، ثمّ بلوتو Pluton (اكتُشف سنة 1930 م) .
وتنتمي المجموعة الشّمسيّة إلى مجموعة أخرى أكبر منها بكثير تسمَّى مَجَرَّة دَرْب التّبَّانة (Voie Lactée)، ويُسمّيها البعضُ مَجَرَّة طريق اللَّبن ، وهي تضمُّ حوالي 100 مليار نجم !
ويبلغ طولُ هذه المجرَّة حوالي 100 ألف سنة ضوئيّة ، وارتفاعها حوالي 10 آلاف سنة ضوئيّة ! وتقع المجموعة الشّمسيّة ، بما فيها الأرض ، على بُعد 30 ألف سنة ضوئيّة من مركز هذه المجرَّة ، وعلى بُعد 20 ألف سنة ضوئيّة من أقرب طَرف لها ، وحوالي في وسط ارتفاعها !
لا شكَّ أيّها الزّائر الكريم أنَّك مندهش لهذه الأرقام التي لا يستطيع العقلُ البشري أن يَستَوْعبها لِضَخامتها ! ولكنَّها حقائق ، أكَّدها علماء الفلك في مختلف بلدان العالم .
وسوف تزداد دهشتك إذا علمتَ أنَّ مجرَّتنا درب التّبَّانة ، ليست هي كلّ الكون ! أبدًا ، فالجزءُ مِن الكون الذي تَوصَّل العلماءُ اليوم إلى اكتشافه بواسطة مَراصدهم العملاقة ، يحتوي على حوالي 100 مليون مجرَّة ! ولكن بَقِيَ جزءٌ أكبر لم تطُلْهُ أعيُنُ المراصد ، ومِن المحتمل أنَّه يحتوي أيضًا على عدد أكبر من المجرَّات !
والمدهش أكثر أنَّ المسافة بين هذه المجرَّات تُقدَّر بملايين السّنين الضَّوئيَّة ! وهذا يعني أنَّ الكون ، بالرَّغم من احتوائه على مليارات المليارات من النُّجوم ، إلاَّ أنَّه فارغٌ بأتمّ معنى الكلمة ! وأنتَ عندما تَستلقي على ظهرك تتأمَّلُ السَّماء ، في ليلةٍ ظلماء لا يَشوبُها سحاب ، تُشاهد حشدًا هائلا من النُّجوم، فتظنُّ أنَّ الكون مُزدحم . لكنَّ الحقيقة أنّك لو ركبتَ مثلا مركبةً فضائيَّة لِتَنْقُلَكَ من نجم لآخر، لَبقيَتْ تسير بك ملايين السّنين في فراغ مُوحش وسواد شديد ، لا يعترضُكَ فيه أيُّ شيء حتَّى تصل إلى النَّجم المقْصُود !
فهل عرفتَ الآن أيّها الزّائر الكريم كم هو فسيح جدّا هذا الكون ، وكم هي صغيرةٌ جدّا جدّا جدّا.. هذه الأرض التي نعيشُ فوقَها ؟ ! (يتبع ...)
الكلّ يجري بسرعات خياليّة
إذا كنتَ أيّها الزّائر الكريم أصبتَ بالدَّهشة والذُّهول مِن سعة هذا الكون وكثرة كواكبه ونجومه ، فلتعلَمْ أيضًا أنَّ كلّ ما فيه يَجري ويَدور !
إليك هذه الأرقام التي وصلَ إليها علماءُ الفلَك :
تدور الأرضُ حول محورها مرَّةً كلَّ 23 ساعة و56 دقيقة و4.1 ثانية ، وذلك بسُرعة تزيد قليلاً عن 1600 كلم في السَّاعة بالنّسبة لِنُقطة عند خطّ الاستواء . نعم ، إنَّ الأرض تدور بنا بهذه السُّرعة المجنونة ، ونحن لا نشعر بِدَوَرانِها على الإطلاق !
وليس هذا فقط ، فهي في نفس الوقت تدورُ ، ومعها القمر ، حول الشَّمس في مَدار إهليلي مرَّةً كلَّ 365 يومًا وربع اليوم ، بسرعة 105 ألف كلم في السَّاعة ، ونحنُ لا نشعُرُ أيضًا بأيّ شيء ! في حين أنَّنا لو ركِبْنَا مثلاً سيَّارةً تجري بنَا بسرعة 300 كلم في السَّاعة ، لَأصابَنا الدُّوار ، ولَكادَ قلبُنا أن يَسقط من الخوف . فكيف يكون حالُنا لو أنَّنا كنَّا نُحسُّ فعلا بحركة الأرض ، وهي تدور بنا حول نفسها بأكثر من خمسة أضعاف سرعة هذه السَّيَّارة ، وفي نفس الوقت تجري بنا حول الشّمس بأكثر من ثلاثمائة ضعف هذه السُّرعة ؟!
وتدور الشَّمسُ حول مركز مجرَّة درب التّبَّانة بسرعة 69500 كلم في السّاعة ، بالنّسبة لِمَا حولها من النُّجوم ، حاملةً معها الأرض وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة !
وتدور مجرَّة درب التّبَّانة في مدار حلزوني حول مركزها الهندسي بسرعة 972 ألف كلم في السَّاعة، حاملةً معها الأرض والشَّمس وبقيَّة نجوم المجرَّة !
شيء أقرب للخيال منه للواقع ، ومع ذلك فهو واقع ، أكَّدَتْهُ الدّراساتُ الفلكيَّة في مختلف البلدان .
وهنا ، اسمحْ لي أن أسألكَ أيّها الزّائر الكريم : هل يَقبَلُ عقلُكَ أنَّ هذا الكون الفسيح ، بِما فيه من مليارات الكواكب والنُّجوم والمجرَّات ، وبِما فيه من بَشَر ودوابّ ، وُجِدَ عن طريق الصُّدفة ، وكُلُّ ما فيه يَتحرَّكُ بالصُّدفة ؟!
أليس الأقرب إلى المنطق أن يكون وراء وُجُوده وحركَته صانعٌ أو خالق ، على أكمل قَدْر من العظمة والقُدرة ؟ (يتبع ...)
[u]
الكون في اتّساع مستمرّ
في بداية القرن العشرين ، كانت نتائج بحوث علماء الفلك تُشير إلى أنَّ أكثر المجرَّات تتباعد عن مجرَّتنا درب التّبَّانة . ولكن لم يتمَّ التَّأكُّد من ذلك إلاَّ سنة 1929 م ، عندما تمكَّن عالم الفلك الأمريكيEdwin Hubble من إثبات أنَّ كلَّ المجرَّات تتباعد عن بعضها البعض ، وأنَّ الكون في اتّساع دائم ! ووضعَ هذا العالِمُ قاعدةً لحساب سرعة تباعد المجرَّات .
وهذا الاكتشاف يدعُونا لأن نقف للمرَّة الأولى مع القرآن الكريم ، الكتاب المقدَّس للمسلمين ، المنزَّل من الله تعالى على النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، عن طريق الملَك جبريل عليه السَّلام ، لأنَّ فيه إشارة إلى هذا الموضوع . يقول الله تعالى : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ 47 } (51- الذّاريات 47) . ففي هذه الآية أعلنَ الله تعالى أنَّه هو الذي بَنَى السَّماء ، ثمَّ أضاف قائلاً : { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } . فهل جاءت هذه الجملةُ اعتباطًا ؟
مستحيل ! فكلُّ مَنْ يبحثُ في القرآن يعرف أنَّ كلَّ كلمة فيه لها معناها الدَّقيق ، ولو أُبدِلَتْ بغيرها لَضاع المعنى الصَّحيح للآية .
لعلَّ اللهَ إذًا أراد فعلاً الإِشارة إلى الحقيقة التي تَوصَّل إليها العلماء حديثًا ، مِن أنَّ الكون يتَّسع ويتَّسع دون توقُّف ! (يتبع ...)an]
لماذا أقسم الله تعالى بمواقع النّجوم ؟
يقول علماءُ الفلَك أنَّ كلَّ النُّجوم تجري في السَّماء دون توقُّف ! فهي تدور باستمرار حول مركز المجرَّة التي تنتمي إليها ، وفي نفس الوقت تجري مع هذه المجرَّة ، مبتعدة بذلك عن نجوم وكواكب المجرَّات الأخرى .
ونظرًا إلى أنَّ المسافات بين الأرض التي نعيش فوقها والنُّجوم التي نراها في السَّماء تُقدَّر بآلاف السّنين الضَّوئيَّة (أي ملايين المليارات من الكيلومترات) ، فإنَّ الذي نراه نجمًا في السَّماء هو في الحقيقة ضوء ذلك النَّجم الذي بَدأ سفَرهُ إلينا من ذلك المكان منذ آلاف السّنين !
نعم ، فالنَّجم الذي يبعد عنَّا مثلاً ألف سنة ضوئيَّة ، ونراه الآن في السَّماء ، نحن نرى في الحقيقة ضوءَه الذي أرسلَه إلينا منذ ألف سنة من ذلك الموقع ، فلم يصلْنا إلاَّ الآن فقط ! أمَّا النَّجم نفسُه ، فقد انتقل منذ ذلك الزَّمن إلى موقع آخر ، ثمَّ إلى مواقع أخرى ، بسبب جريانه المستمِرّ !
وهنا ، أجدُ من الضَّروري أن نقف وقفة أخرى مع القرآن الكريم ، لأنَّ فيه إشارة إلى هذه الحقيقة ! يقول الله تعالى : { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ 76 إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 77 فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ 78 لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ 79 تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ 80 } (56- الواقعة 75-80).
فلو أقسَمَ اللهُ تعالى في الآية 75 بالنُّجوم ، لَكان القسَمُ عاديّا . لكنَّه أقسَمَ بِمَواقعها ، رُبَّما لِيَلْفِتَ انتباهنا إلى أنَّ النُّجوم تجري في الفضاء ، وأنَّ ما نراه في السَّماء نجمًا ، هو في الحقيقة مَوْقعه .
وإذا كان هذا الاستنتاجُ صحيحًا ، فإنَّ بقيَّة الآيات ، التي أعلنتْ أنَّ القرآن الكريم تنزيلٌ من ربّ العالَمين ، لا بُدَّ أن تكون صحيحة أيضًا . هذا ما يقوله المنطق ! أم أنَّ لك رأيًا آخر ؟
كيف بدأ هذا الكون ؟
يقول علماءُ الفلك أنَّ الكون ، بكلّ ما فيه من نجوم وكواكب وغيرها ، كان قبل حوالي 13 مليار سنة خليطًا من جُسَيْمات أوَّليَّة وإشعاعات ، أي كان خليطًا من مادَّة وطاقة منضغطة في حَيّز صغير . وكان هذا الخليط شديد الكثافة ، وعالي الطَّاقة جدّا ، تزيد درجة حرارته على 100 مليار درجة !
ثمَّ انفجر هذا الخليط انفجارًا عظيمًا ، يسمّيه علماء الفلكBig Bang ، وتفرَّقت أجزاءُه مبتعدة عن بعضها البعض . ثمَّ ، وبعد ملايين السّنين ، تحوَّلت هذه الأجزاء إلى دخان .
وتُنسَب هذه النَّظريَّة إلى عالم الفيزياء النَّوويَّة ، الأمريكيGeorge Gamow ، الذي نشرها سنة 1948 م واعتمد في التَّدليل عليها على ظاهرة تباعد المجرَّات عن بعضها البعض ، مِمَّا يُؤكّد حدوث الانفجار . وقد شاهد علماء الفلك فعلاً سنة 1965 م صورة دخان ، كأثَرٍ للانفجار العظيم ، أتتْهُم من بُعْد أكثر من 10 مليار سنة ضوئيَّة (أي أنَّ هذه الصُّورة حدثتْ منذ أكثر من 10 مليار سنة) !
هكذا إذًا بدأ الكون : خليطٌ من مادَّة وطاقة انفجر انفجارًا عظيمًا ، ثمَّ نشأ دخانٌ من هذا الانفجار ، ثمَّ تكوَّنت النُّجومُ والكواكب والأقمار من هذا الدُّخان .
وهنا ، اسمح لي أيّها الزّائر الكريم أن أتوقَّف عند آيتين في القرآن الكريم ، ربَّما فيهما إشارة إلى هذه الحقائق !
الآية الأولى ذكَرتْ أنَّ السَّماء ، بما فيها من نجوم وأجرام أخرى ، كانت دُخانًا قبل أن تُصبح على الصُّورة التي هي عليها اليوم ! يقول الله تعالى متحدِّثًا عن ذاته العليّة : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ 11 } (41- فصّلت 11) .
وقد سُئل الأستاذ الياباني Yoshide Kozai ، وكان مديرًا لِمَرصد ميتاكا بطوكيو ، عن كيفيَّة بداية هذا الكون ، فقال : لقد أصبح اليومَ واضحًا أنَّ كلَّ هذا الكون نشأ من دخان . فقيل له : ولكنَّ بعض العلماء يستعملون كلمة ضباب . فأجاب بأنَّ هذه التّسمية لا تصحُّ ، وأنَّ الوصفَ الأكثر دقَّة هو دخان، لأنَّ الضَّباب بارد بينما الدُّخان الكوني يُخفي حرارة عالية .
فإذا كان محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم قد أتى بالقرآن من عنده ، فكيف علم أنَّ السَّماء كانت دخانًا ؟!
الآية الثَّانية فيها إشارة إلى أنَّ السَّماوات والأرض نشَأتَا من مصدر واحد ! يقول الله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ 30 } (21- الأنبياء 30) . والرَّتقُ في اللُّغة : ضدّ الفَتْق .
وبالتَّالي ، فإنَّ هذه الآية تُشير إلى أنَّ السَّماوات والأرض كانتا مُلْتصقَتَين ، ثمّ انفصلتَا بأمْر خالقهما . وقد أكَّد العلماء فعلاً أنَّ السَّماوات والأرض نشأتَا من خليط واحد .
وقد عُرضت هذه الآية على الأستاذ الأمريكي Alfred Kroner، أحد علَماء الجيولوجيا البارزين وأستاذ ورئيس سابق لقسم الجيولوجيا في جامعة ألمانيَّة ، فقال : إنَّ رجلاً جاء منذ حوالي 1400 سنة ، لا يعرف شيئًا عن الفيزياء النَّوويَّة ، لا يستطيع في نظري أن يكتشف ولو بعقله ومنطقه فقط أنَّ السّماوات والأرض خُلِقتَا من مصدر واحد .
ثمَّ عُرضت عليه آيات قرآنيّة أخرى عن تكوين الأرض ، فقال : إنّي مندهشٌ جدّا لِوُجود هذه الحقائق العلميَّة في القرآن !
من أين جاءت المادَّة الأولى ؟
إذا كان كلُّ الكون انبثق عن خليط من جُسَيْمات أوَّليَّة وإشعاعات ، فكيف جاء هذا الخليط الأوَّل ؟
جوابُ العلماء : لا أحد يدري !
جوابُ بعض النّاس من غير العلماء : جاء عن طريق الصُّدفة ! وطبعا هذه الإجابة لا يقبلُها العقلُ ولا المنطق .
لكنّ القرآن له جوابٌ واضح عن هذا السُّؤال .
يقول الله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 40 } (16- النّحل40) .
ويقول تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 73 } (6- الأنعام 73) .
ويقول تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ 81 إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82 فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 83 } (36- يس 81-83) .
فالمادّة الأولى للكون ، خلَقها اللهُ تعالى الذي يقول للشَّيء : " كُن "، فيكون . نعم ، فالذي قَدَر على خَلْق هذا الكون بكلّ ما فيه ، له أيضًا القدرة على أن يخلق الشَّيءَ مِنْ لا شيء !
أليس هذا التَّفسير هو الأقرب للمنطق ؟!
ماذا لو سقطت السّماء على الأرض ؟
اطمئنّ أيّها الزّائر الكريم ! فلن يحدث هذا الأمر طالَما لم تَحِنْ نهايةُ العالَم . إنَّ الذي خلَق هذا الكونَ سَنَّ فيه قوانينَ دقيقة تكفي وحدها للتَّدليل على وجود هذا الخالق وعلى عظمته المطلقة !
من بين هذه القوانين : قانون الجاذبيَّة الذي اكتشفه وصاغَه عالِمُ الرّياضيَّات والفيزياء الإنجليزي Isaac Newton . وقصّة هذا العالم مشهورة ، وهي أنَّه كان يومًا مستلقيًا تحت شجرة تفّاح ، فسقطت تفَّاحة على الأرض ، فتساءل في نفسه : لماذا نزلت التُّفَّاحة إلى الأسفل ولم تصعد إلى فوق؟ ثمَّ قام ببحوث واكتشف قانون الجاذبيَّة .
وقد استنتج الكثير من النَّاس من هذه القصَّة أنَّ الجاذبيَّة هي من خاصّيَّات الأرض فقط. لكنَّ الحقيقة هي غير ذلك. فكلُّ الأجرام السَّماويَّة لها جاذبيَّة ، وكلُّها تتجاذب فيما بينها ، غير أنّ هذه الجاذبيّة تختلف قوَّتُها من جِرْم لآخر .
ولم يكن Newton لِيَستطيع أن يَصوغ قانون الجاذبيَّة بسهولة ودقَّة ، لو اقتصر في حساباته على الأرض فقط . لذلك اعتمد في بحوثه على ما وصل إليه مَن سَبقه من علماء الفلك ، مثل الألمانيJohannes Kepler الذي صاغ القوانين التي تحكُم دوران الكواكب حول الشَّمس . وبذلك تَوَصَّلNewton إلى اكتشاف قانون الجاذبيّة الشّامل الذي نشره في كتاب له سنة 1687 م .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة شيء هامّ : وهو أنَّ علماء الفلَك قد اكتشفوا منذ بداية القرن السَّادس عشر أنَّ النُّجوم والكواكب في السَّماء ، بالرَّغم من عددها الذي لا يُحصى ، وبالرَّغم من المسافات الخياليَّة التي تفصل بينها ، إلاَّ أنَّها في الأخير تخضع كلُّها لِقَوانين وسُنَن واحدة !
وهذا ما ساعدَهم في الوصول ببحوثهم إلى ما وصلوا إليه اليوم . وأصبح عالِمُ الفلَك في عصرنا هذا يحسِبُ حركةَ الأجرام السَّماويَّة على الوَرق ، بناءً على القوانين التي وقعَتْ صياغتها ، ثمَّ يَطلُعُ علينا ليقول أنّه بعد ثلاثين سنة مثلاً ، في يوم كذا على السّاعة كذا ، سيحدث كسوفٌ للشَّمس . وتَمُرُّ السّنين ، ويأتي اليوم الموعود ، ويحدث الكسوف فعلاً ! فيكون ذلك دليلاً قاطعًا على صحَّة القوانين التي اعتمدها في حساباته .
وقد ذكَر الدّكتور أحمد زكي في كتابه القيّم : " مع الله في السّماء " ، قصَّة طريفة في هذا المجال ، مُلَخَّصها أنَّه سنة 1781 م ، بينما الفلكي الإنجليزي William Herschel يَرصد جانبًا من السَّماء بمرصده ، إذ به يكتشف كوكبًا جديدًا في المجموعة الشَّمسيَّة ، فأسماه العلماء أورانس Uranus . وحسبُوا حركتَه ومدارَه معتمدين على قوانين الحركة والجاذبيَّة ، ولكنَّهم حارُوا في أمرهم : إنَّ مَداره المرصود بالعين ليس كمداره المحسوب على الورق ! فأعادُوا حساباتهم بالاعتماد على قوَّة جاذبيَّة الشَّمس وقوَّة جاذبيَّة الكواكب الأخرى لهذا الكوكب الجديد . غير أنَّ المدار الواقعي والمدار المحسوب لم يتطابقَا .
وهنا ، بما أنَّ قوانينَهم صحيحة ، افترض عالم الفلَك الفرنسيUrbain Le Verrier أنَّه لا بُدَّ أن تكون هناك قوَّة جاذبيَّة أخرى آتية من كوكب آخر أَبْعد . إنَّ أحدًا لم يَرَ هذا الكوكب ، ولكن كان لا بُدَّ من وجوده إذا ما صدق قانونُ الجاذبيَّة ! وما أسرع ما كشف عنهLe Verrier بالحساب سنة 1846 م . وكتب إلى العاملين بمرصد برلين يخبرهم بذلك . فوَجَّهوا مراصدهم إلى الموضع المحدَّد ، ورأوا الكوكب الذي يبحثون عنه رأي العين ، كشَف عنه عالم الفلك الألمانيJohann Galle ، وسمّوه نبتيون Neptune .
وبَقي اختلاف صغير في مدار أورانس ، فافترض العلماء من جديد أنَّه لا بُدَّ أن يكون هناك كوكب آخر أبعد من نبتيون مختبئ في السَّماء ! وأطلقوا وراءه مراصدهم تبحث ، وما كان أبعده ، ومع هذا اكتشفوه أخيرًا سنة 1930 م ، اكتشفهُ عالم الفلك الأمريكيWilliam Tombaugh ، وأسموه بلوتو Pluton .
فهل تريد دليلاً أقوى من هذا على أنَّ هذا الكون ، بالرَّغم من اتّساعه الهائل ، يَسير وفْق نظام واحد ، سطَّره خالق واحد ؟! وهل بعد هذا مبرّرٌ للحديث عن الصُّدفة في خلق السَّماوات والأرض ؟! (يتبع ...)
أخوكم عامر أبو سميّة
سارة- الادارة العامة
- عدد المساهمات : 1528
تاريخ الميلاد : 13/03/1223
تاريخ التسجيل : 27/05/2010
العمر : 801
رد: الله موجود .. وهذه الأدلّة
لكنّ الجاذبيّة وحدها لا تكفي لتماسك الكون
نعم ، فلو كان الكون قائمًا فقط على قانون الجاذبيَّة ، لَكَانت الغَلَبةُ للأقوى ، ولَجَذبت الشَّمسُ كلَّ الكواكب والأقمار التَّابعة لمجموعتها ، فارتطمت بها واحترقت فيها !
لذلك ، سَنَّ خالقُ هذا الكون قانونًا آخر ، وهو قانون الحركة ، لكي لا تصطدم الكواكبُ والنُّجوم ببعضها . ولكي تفهم هذا القانون ، خُذْ حبلاً قصيرًا ، اربطْ في أحد طَرفَيْه حجرًا صغيرًا، وامسك الطَّرف الآخر بِيَدك . ارفعْ يدكَ إلى فوق ، وابدأ في إدارة الحبل فوق رأسك شيئًا فشيئًا . عندما يكتسب الحجرُ سرعة معيَّنة، أوقِفْ يَدك عن الدَّوران، واترك الحجر يدور مع الحبل . ماذا تلاحظ ؟
ستلاحظ أنَّ الحبل يجذب على يدك ، وكأنَّ الحجر يريد أن يهرب وينطلق بعيدًا عن الدَّائرة التي يدور فيها . لماذا ؟
لأنَّ الحجر لَمَّا أصبح يدور بسرعة معيَّنة ، أكسبهُ هذا الدَّورانُ قوَّة دَفْع (أو طَرْد) ، أخذت تحاول طَرْدَ الحجر بعيدًا عن مركز الدَّوران ، أي بعيدًا عن يدك . غير أنَّ الحجر لا يستطيع الهروب ، لأنَّ هناك قوَّة مضادَّة تمنعه من ذلك ، وهي قوَّة الجذب التي تُحْدِثُها يدك .
مثال آخر : ربَّما دخلتَ في صغرك حديقة ألعاب ، وجلستَ فوق حصان خشبي يدور حول مركز ، ومشدود إلى هذا المركز بواسطة عصًا معدنيَّة غليظة . عندما بدأ الحصانُ في الدَّوران وازدادت السُّرعة ، شعرتَ ولا شكَّ كأنَّ قوَّةً مَا تريد أن تَطْرُدك من مكانك وتقذف بك بعيدًا . ذلك أنَّ الدَّوران حول مركز يُحْدث قوَّة طَرْد ، مضادَّة لقوَّة الجذب .
وهذا هو السّرُّ الكبير في تماسك الكون . فنحن نعلم أنَّ الأرض تدُور حول الشَّمس بسرعة كبيرة جدّا . وهذا الدَّورانُ يُكْسبها قوَّةَ طَرْد تحاول دَفْعَها خارج مدارها . غير أنَّ الشَّمس لها قوَّة جذب مُضادَّة ومُساوية لقوَّة الطَّرْد ، تجذب الأرض إليها وتمنعها من الهروب .
فلَولا جاذبيّة الشّمس ، لهربت الأرض وتاهت في السَّماء . ولولا دوران الأرض حول الشَّمس الذي يُكسبها قوَّة دَفْع مُضادَّة للجاذبيَّة ، لَجَذَبت الشَّمسُ الأرضَ إليها فتحطَّمتْ فوقها !
وهذا هو الحال بالنّسبة لكلّ الأجرام السَّماويَّة ، من كواكب ونجوم وأقمار وغيرها . كلٌّ منها يدور بسرعة هائلة في مدار خاصٍّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه أبدًا ، لأنَّه خاضع لجاذبيَّة نجم أو كوكب آخر تمنعه من الهروب .
وهذا هو الحال أيضًا بالنّسبة لِمَجموعتنا الشَّمسيَّة التي نعرفها أكثر . فهل سمعتَ يومًا أنَّ الأرض اصطدمت عبر تاريخ البشريَّة بكوكب عطارد مثلاً أو الزّهرة ، أو أنَّ القمر سقط على الأرض ؟!
لا ، فالكلُّ يسير وفق نظام دقيق .
وهنا ، لا أستطيع أن أتابع قبل أن أذكر لك آيتين في القرآن الكريم ، أشارتا بوضوح إلى هذه الحقائق !
يقول الله تعالى في الآية الأولى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 33 } (21- الأنبياء 33) .
واللَّيلُ والنَّهار هنا يشيران إلى الأرض ، لأنَّه لو كان المقصود بالسّباحة الشَّمس والقمر فقط ، لقال تعالى : يَسْبَحان . ولكنَّه قال : يسبحُون ، أي الأرضُ والشّمسُ والقمر . ولَفْظ السّباحة يعني الانتقال من مكان لآخر . وقد ذكرْنا فعلاً أنّ كلّ الأجرام السّماويّة تجري .
ويقول تعالى في الآية الثّانية : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40 } (36- يس 40) .
وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ الشّمس والقمر والأرض لا يمكنُ أن يصطدم أحدُها بالآخر ، لأنّ كلّ واحد منها يجري في مَداره الخاصّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه .
فكيف جاء محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه المعلومات الدّقيقة ، إن لم يكن خالقُ الأرض والسّماء هو الذي أخبره بذلك ؟!
نظام واحد يدلّ على خالق واحد
إنّ الذي سَنَّ قانُونَي الجاذبيَّة والحركة في السَّماء ، حَسَبَ كلَّ شيء حسابًا دقيقًا يعجزُ عن تصوُّره العقل ، فجعل قُوَى الجاذبيَّة تتوازن مع قُوَى الطَّرْد ليتماسك الكون ! بل ، ووضع كلَّ شيء في المكان الذي يجب أن يكون فيه بالضَّبط !
فلو أنَّ الأرض مثلاً كانت أقرب إلى الشَّمس مِمَّا هي عليه الآن ، لاحترقَتْ بِمَن عليها ! ولو أنّها كانت أبْعَد منها ممَّا هي عليه الآن ، لَتَجمَّد كلُّ شيء فوقها !
والذي سَنَّ هذين القانونَين عَلِم أنَّ الأرض ستمارسُ جاذبيَّتها على كُلّ مَن فَوقها من أحياء وجماد ، فيَلتصقُوا بها ، لا يستطيعون حراكًا . لذلك ، جعلها تدور حول نفسها لِتَكْتسب قوَّة طَرْد مضادَّة لجاذبيَّتها ، فيحصلُ التَّوازن ، ويستطيع الأحياءُ المشيَ والحركة !
وهذا الدَّورانُ محسوب أيضا بدقّة ، بحيث لو كان أسرع مِمَّا هو عليه الآن ، لَتَناثر كلُّ مَن على الأرض مِن بَشَر ودوابّ وغير ذلك ، ولو كان أقلَّ مِمَّا هو عليه الآن ، لَوَجد النَّاسُ صعوبة كبيرة في الحركة !
ولأنَّ الكونَ يسيرُ وفْقَ نظام واحد ، فقد سَنَّ خالقُه سُنَّةَ الدَّوران أيضًا على كلّ الكواكب والنُّجوم والأقمار الأخرى ، فجعلها كلُّها تدور حول نفسها !
والأعجب من هذا أنَّها كلُّها تدور من الغرب إلى الشَّرق ، على عكس دَوران عقارب السَّاعة إذا نظرنا إليها من فوق ، سواء عندما تدور حول نفسها ، أو عندما تجري في مدارها حول النَّجم أو المركز الذي تدور حولَه !
فالأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، وتدور في مدارها حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والقمر يدور حول نفسه من الغرب إلى الشَّرق ، ويدور مع الأرض حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! وكلُّ كواكب المجموعة الشَّمسيَّة تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، ويدور كلٌّ منها في مداره حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والشَّمس تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، وتدور في مدارها حول مركز مجرَّة درب التّبَّانة ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق !
والأعجب من العجب أنَّنا إذا انتقلنا من المجرَّة ، التي هي أكبر شيء في هذا الكون ، ونظرنا في أصغر شيء فيه ، وهو الذَّرَّة التي هي أَصْل كلّ مادَّة ، لَوَجدناها تتكوَّن من نَواةٍ في الوَسط ، تدور حولها إلكترونات ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ، في مداراتٍ كما تدور الكواكب حول الشَّمس ! فالنَّواة هي شمس هذه الإلكترونات ، و " من الغرب إلى الشَّرق " هي قاعدة ثابتة في هذا الكون !
ومن اللاّفت للانتباه حقّا أنَّ المسلمين عندما يؤدُّون فريضة الحجّ ، يقومون بالطَّواف بالكعبة ، فيدُورون حولها من الغرب إلى الشَّرق ! نعم ، مثل الكواكب والنُّجوم والإلكترونات !
أفلا يدعو هذا الأمر إلى التَّساؤل : أيكونُ المسلم هو الإنسان الوحيد الذي ينسجم مع هذه القاعدة الكونيَّة ، فيدور مع كلّ شيء في هذا الكون ، من الغرب إلى الشَّرق ؟!
أيكون الإسلام هو الدّينُ الحقُّ الذي اختاره خالقُ هذا الكون لعباده ، فبعثَ به كلَّ أنبيائه ، وسنَّ لكلّ نبيٍّ تشريعات تُناسب عصره ، حتَّى اكتمل الإسلامُ ببعثة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، آخر الأنبياء والمرسلين ؟!
حقّا إنّه أمرٌ مهمٌّ ، لا بُدَّ من الوقوف عنده
نعم ، فلو كان الكون قائمًا فقط على قانون الجاذبيَّة ، لَكَانت الغَلَبةُ للأقوى ، ولَجَذبت الشَّمسُ كلَّ الكواكب والأقمار التَّابعة لمجموعتها ، فارتطمت بها واحترقت فيها !
لذلك ، سَنَّ خالقُ هذا الكون قانونًا آخر ، وهو قانون الحركة ، لكي لا تصطدم الكواكبُ والنُّجوم ببعضها . ولكي تفهم هذا القانون ، خُذْ حبلاً قصيرًا ، اربطْ في أحد طَرفَيْه حجرًا صغيرًا، وامسك الطَّرف الآخر بِيَدك . ارفعْ يدكَ إلى فوق ، وابدأ في إدارة الحبل فوق رأسك شيئًا فشيئًا . عندما يكتسب الحجرُ سرعة معيَّنة، أوقِفْ يَدك عن الدَّوران، واترك الحجر يدور مع الحبل . ماذا تلاحظ ؟
ستلاحظ أنَّ الحبل يجذب على يدك ، وكأنَّ الحجر يريد أن يهرب وينطلق بعيدًا عن الدَّائرة التي يدور فيها . لماذا ؟
لأنَّ الحجر لَمَّا أصبح يدور بسرعة معيَّنة ، أكسبهُ هذا الدَّورانُ قوَّة دَفْع (أو طَرْد) ، أخذت تحاول طَرْدَ الحجر بعيدًا عن مركز الدَّوران ، أي بعيدًا عن يدك . غير أنَّ الحجر لا يستطيع الهروب ، لأنَّ هناك قوَّة مضادَّة تمنعه من ذلك ، وهي قوَّة الجذب التي تُحْدِثُها يدك .
مثال آخر : ربَّما دخلتَ في صغرك حديقة ألعاب ، وجلستَ فوق حصان خشبي يدور حول مركز ، ومشدود إلى هذا المركز بواسطة عصًا معدنيَّة غليظة . عندما بدأ الحصانُ في الدَّوران وازدادت السُّرعة ، شعرتَ ولا شكَّ كأنَّ قوَّةً مَا تريد أن تَطْرُدك من مكانك وتقذف بك بعيدًا . ذلك أنَّ الدَّوران حول مركز يُحْدث قوَّة طَرْد ، مضادَّة لقوَّة الجذب .
وهذا هو السّرُّ الكبير في تماسك الكون . فنحن نعلم أنَّ الأرض تدُور حول الشَّمس بسرعة كبيرة جدّا . وهذا الدَّورانُ يُكْسبها قوَّةَ طَرْد تحاول دَفْعَها خارج مدارها . غير أنَّ الشَّمس لها قوَّة جذب مُضادَّة ومُساوية لقوَّة الطَّرْد ، تجذب الأرض إليها وتمنعها من الهروب .
فلَولا جاذبيّة الشّمس ، لهربت الأرض وتاهت في السَّماء . ولولا دوران الأرض حول الشَّمس الذي يُكسبها قوَّة دَفْع مُضادَّة للجاذبيَّة ، لَجَذَبت الشَّمسُ الأرضَ إليها فتحطَّمتْ فوقها !
وهذا هو الحال بالنّسبة لكلّ الأجرام السَّماويَّة ، من كواكب ونجوم وأقمار وغيرها . كلٌّ منها يدور بسرعة هائلة في مدار خاصٍّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه أبدًا ، لأنَّه خاضع لجاذبيَّة نجم أو كوكب آخر تمنعه من الهروب .
وهذا هو الحال أيضًا بالنّسبة لِمَجموعتنا الشَّمسيَّة التي نعرفها أكثر . فهل سمعتَ يومًا أنَّ الأرض اصطدمت عبر تاريخ البشريَّة بكوكب عطارد مثلاً أو الزّهرة ، أو أنَّ القمر سقط على الأرض ؟!
لا ، فالكلُّ يسير وفق نظام دقيق .
وهنا ، لا أستطيع أن أتابع قبل أن أذكر لك آيتين في القرآن الكريم ، أشارتا بوضوح إلى هذه الحقائق !
يقول الله تعالى في الآية الأولى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 33 } (21- الأنبياء 33) .
واللَّيلُ والنَّهار هنا يشيران إلى الأرض ، لأنَّه لو كان المقصود بالسّباحة الشَّمس والقمر فقط ، لقال تعالى : يَسْبَحان . ولكنَّه قال : يسبحُون ، أي الأرضُ والشّمسُ والقمر . ولَفْظ السّباحة يعني الانتقال من مكان لآخر . وقد ذكرْنا فعلاً أنّ كلّ الأجرام السّماويّة تجري .
ويقول تعالى في الآية الثّانية : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40 } (36- يس 40) .
وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ الشّمس والقمر والأرض لا يمكنُ أن يصطدم أحدُها بالآخر ، لأنّ كلّ واحد منها يجري في مَداره الخاصّ به ، لا يمكن أن يحيد عنه .
فكيف جاء محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه المعلومات الدّقيقة ، إن لم يكن خالقُ الأرض والسّماء هو الذي أخبره بذلك ؟!
نظام واحد يدلّ على خالق واحد
إنّ الذي سَنَّ قانُونَي الجاذبيَّة والحركة في السَّماء ، حَسَبَ كلَّ شيء حسابًا دقيقًا يعجزُ عن تصوُّره العقل ، فجعل قُوَى الجاذبيَّة تتوازن مع قُوَى الطَّرْد ليتماسك الكون ! بل ، ووضع كلَّ شيء في المكان الذي يجب أن يكون فيه بالضَّبط !
فلو أنَّ الأرض مثلاً كانت أقرب إلى الشَّمس مِمَّا هي عليه الآن ، لاحترقَتْ بِمَن عليها ! ولو أنّها كانت أبْعَد منها ممَّا هي عليه الآن ، لَتَجمَّد كلُّ شيء فوقها !
والذي سَنَّ هذين القانونَين عَلِم أنَّ الأرض ستمارسُ جاذبيَّتها على كُلّ مَن فَوقها من أحياء وجماد ، فيَلتصقُوا بها ، لا يستطيعون حراكًا . لذلك ، جعلها تدور حول نفسها لِتَكْتسب قوَّة طَرْد مضادَّة لجاذبيَّتها ، فيحصلُ التَّوازن ، ويستطيع الأحياءُ المشيَ والحركة !
وهذا الدَّورانُ محسوب أيضا بدقّة ، بحيث لو كان أسرع مِمَّا هو عليه الآن ، لَتَناثر كلُّ مَن على الأرض مِن بَشَر ودوابّ وغير ذلك ، ولو كان أقلَّ مِمَّا هو عليه الآن ، لَوَجد النَّاسُ صعوبة كبيرة في الحركة !
ولأنَّ الكونَ يسيرُ وفْقَ نظام واحد ، فقد سَنَّ خالقُه سُنَّةَ الدَّوران أيضًا على كلّ الكواكب والنُّجوم والأقمار الأخرى ، فجعلها كلُّها تدور حول نفسها !
والأعجب من هذا أنَّها كلُّها تدور من الغرب إلى الشَّرق ، على عكس دَوران عقارب السَّاعة إذا نظرنا إليها من فوق ، سواء عندما تدور حول نفسها ، أو عندما تجري في مدارها حول النَّجم أو المركز الذي تدور حولَه !
فالأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، وتدور في مدارها حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والقمر يدور حول نفسه من الغرب إلى الشَّرق ، ويدور مع الأرض حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! وكلُّ كواكب المجموعة الشَّمسيَّة تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، ويدور كلٌّ منها في مداره حول الشَّمس ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والشَّمس تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق ، وتدور في مدارها حول مركز مجرَّة درب التّبَّانة ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق !
والأعجب من العجب أنَّنا إذا انتقلنا من المجرَّة ، التي هي أكبر شيء في هذا الكون ، ونظرنا في أصغر شيء فيه ، وهو الذَّرَّة التي هي أَصْل كلّ مادَّة ، لَوَجدناها تتكوَّن من نَواةٍ في الوَسط ، تدور حولها إلكترونات ، أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ، في مداراتٍ كما تدور الكواكب حول الشَّمس ! فالنَّواة هي شمس هذه الإلكترونات ، و " من الغرب إلى الشَّرق " هي قاعدة ثابتة في هذا الكون !
ومن اللاّفت للانتباه حقّا أنَّ المسلمين عندما يؤدُّون فريضة الحجّ ، يقومون بالطَّواف بالكعبة ، فيدُورون حولها من الغرب إلى الشَّرق ! نعم ، مثل الكواكب والنُّجوم والإلكترونات !
أفلا يدعو هذا الأمر إلى التَّساؤل : أيكونُ المسلم هو الإنسان الوحيد الذي ينسجم مع هذه القاعدة الكونيَّة ، فيدور مع كلّ شيء في هذا الكون ، من الغرب إلى الشَّرق ؟!
أيكون الإسلام هو الدّينُ الحقُّ الذي اختاره خالقُ هذا الكون لعباده ، فبعثَ به كلَّ أنبيائه ، وسنَّ لكلّ نبيٍّ تشريعات تُناسب عصره ، حتَّى اكتمل الإسلامُ ببعثة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، آخر الأنبياء والمرسلين ؟!
حقّا إنّه أمرٌ مهمٌّ ، لا بُدَّ من الوقوف عنده
سارة- الادارة العامة
- عدد المساهمات : 1528
تاريخ الميلاد : 13/03/1223
تاريخ التسجيل : 27/05/2010
العمر : 801
وماذا لو كان الأذان يدور حول الأرض ؟
وماذا لو كان الأذان يدور حول الأرض ؟
يُعْتَبر الأذانُ بالنّسبة للمسلمين إعلامًا بدُخُول وقت واحدةٍ من الصَّلوات الخمس المفروضة عليهم في اليوم واللَّيلة . ودخولُ الوقت هذا مُرتبطٌ بحركة الشَّمس الظَّاهرة حول الأرض .
فوَقْتُ صلاة الفجر يبدأ عند طلوع الفجر الصَّادق ، وهو الضَّوء الأبيض الذي يُعْلِن انتهاءَ اللّيل وبداية النَّهار ويسبق شروق الشَّمس .
ويبدأ وقتُ صلاة الظُّهر مباشرة بعد زوال الشَّمس ، أي حالَمَا تنحرف الشَّمس عن وَسط السَّماء .
ويبدأ وقتُ صلاة العصر عندما يَصلُ ظِلُّ كلّ شيء مثلَه ويبدأ في الزّيادة .
ويبدأ وقتُ صلاة المغرب عندما يغيب قُرْصُ الشَّمس كاملاً .
ويبدأ وقتُ صلاة العشاء عند مغيب الشَّفق الأحمر .
وبما أنَّ الأرض تدور حول نفسها، فإنَّ ضوء الشَّمس يَبقى ينتقل من خطّ طولٍ على الكرة الأرضيَّة لِخَطّ طول آخر . ونتيجةً لذلك ، فإنَّ غروب الشَّمس مثلاً لا يتمُّ على كامل الأرض في نفس اللَّحظة ، وإنَّما تغربُ الشَّمس على بعض المناطق على خطّ طولٍ مُعيَّن ، ثمَّ تغرب بعد بضع دقائق على مناطقَ مجاورة على نفس خطّ الطُّول ، ثمَّ على مناطق أخرى على خطّ الطُّول الموالي ، ثمَّ الذي يليه ، وهكذا . وكلُّنا يعرف أنَّ هناك فارقًا في التَّوقيت من بلد لآخر ، وأنَّ النَّهار يطلعُ في بلد ليبدأ اللَّيلُ في نفس الوقت في بلد آخر .
نعودُ إلى قضيَّة الأذان ، ونأخذُ مثلاً صلاة المغرب التي يبدأ وقتها بغروب الشَّمس . فبِناءً على ما فَصَّلْنا سابقًا ، فإنَّ وقت صلاة المغرب لا يحين في نفس اللَّحظة في كلّ بلدان العالم ، وإنَّما يحين في بعض المدن على نفس خطّ الطُّول ، ثمَّ يحين في المدن المجاورة على خطّ الطُّول المجاور ، ثمَّ الذي يليه ، وهكذا . وهذا ينطبق أيضًا على صلوات : العشاء والفجر والظُّهر والعصر .
وبما أنَّ دخولَ الوقت يتمُّ الإعلان عنه بالأذان ، والذي يستغرق بضع دقائق ، فإنَّه ما أن ينتهي المؤذّن من الأذان لصلاةٍ مَا في بلدٍ مَا ، حتَّى يرتفع صوت مؤذّن آخر في بلد مُجاور ليؤذّن لنفس الصَّلاة ! ويبقى الأذان يدور هكذا حول الأرض التي مركزها الكعبة ، مِن خطّ طولٍ لِخَطّ طولٍ آخر ، دون توقُّف إلى قيام السَّاعة !
وبِما أنَّ الصَّلوات الخمس المفروضة مُوَزَّعة على ساعات اللَّيل والنَّهار ، فيمكن الجزم بأنَّه في كلّ لحظةٍ من ليلٍ أو نهار ، يرتفع صوت مؤذّنٍ في بقعة من بقاع العالم ، لينادي للصَّلاة !
هل تدري أيّها الزّائر الكريم ماذا يقول المؤذّن ؟
إنَّه يقول : الله أكبر ، الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله .
أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله ، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله .
حيّ على الصَّلاة ، حيّ على الصَّلاة .
حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح .
الله أكبر ، الله أكبر .
لا إله إلاَّ الله .
إنَّه توحيدٌ مُطلَقٌ للَّه ، وشهادةٌ بأنَّ محمَّدًا رسول الله ، ودعوةٌ إلى إقام الصَّلاة في وقتها . هذه الصَّلاة التي هي موعدٌ يومي مع خالق هذا الكون ، لِطَلب العون والهداية والتَّوفيق منه ، والاستغفار والتَّوبة من الذُّنوب والخَطايا .
أفلا تجد بعد كلّ هذا رغبةً مُلِحَّة في التَّعرُّف على الإسلام ، بعيدًا عن التَّشويهات والأكاذيب ؟
واللهِ الذي لا إله غيره ، لو قرأتَ بقيّة الأقسام بنِيَّة البحث عن الحقيقة ، لَأَخذَ اللهُ بِيَدك ، بفضله ورحمته ، ولَهَداكَ إلى ما تبحثُ عنه .
ماذا لو كانت مكّة هي مركز الأرض ؟
في شهر يناير 1977 م ، نَشر الدُّكتور المصري حسين كمال الدّين ، دكتور في المساحة التَّصويريَّة (أو الطُّوبوغرافيا)، نتيجة أبحاث قام بها في السّعوديَّة .
يقول الدُّكتور أنَّه كان يبحث عن اكتشاف وسيلة تُساعد المسلمَ في أيّ مكان من العالم على تحديد اتّجاه مكَّة ، حيث توجد الكعبة ، قِبْلة المسلمين في الصَّلاة . فبدأ بحثَه برَسْم خريطة تَشملُ المسافات التي تفصلُ كلَّ مدينة على وجه الأرض ، عن مدينة مكَّة . واستعان في بحثه هذا بالكمبيوتر لِرَسم خطوط الطُّول والعرض للكرة الأرضيَّة ، ولحساب المسافات والانحرافات .
فكانت دهشتُه عظيمة عندما اكتشف أنَّه يستطيع أن يرسم دائرة ، مركزُها مدينة مكَّة ، ومحيطُها يدور مع حدود (أو أطراف) جميع القارَّات . وتأكَّد بذلك أنَّ مكَّة المكرَّمة هي مركز الأرض اليابسة ، وأنَّ كلَّ مُدُن العالَم مُوَزَّعة حولها توزيعًا منتظمًا !
يقول الدُّكتور حسين : حينئذ استطعتُ أن أفهم بعض آيات القرآن فهمًا جديدًا ، مثل قوله تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (6- الأنعام 92) . والمقصود هنا بأُمّ القرى : مكَّة . أي لتُنذِر مكّة ومَن حولها ، وكأنّ في هذا إشارة إلى أنّ مكّة في الوسط ، وكلّ مدن العالَم محيطة بها .
فهل يكون موقعُ مكَّة المركزي هو السَّبب في اختيار خالق هذا الكون لها لِتُبنى فيها الكعبةُ المشرَّفة ، بيته الحرام ، ولتنطلقَ منها دعْوةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، خاتم الأنبياء والمرسلين والمبعوث إلى النَّاس كافَّة ، ولتكون مَقْصد كلّ المسلمين يأتون إليها من كلّ بقاع العالم للحجّ والعمرة ؟!
وهل أراد خالقُ الكون بِجَعْل مكَّة مركز الأرض ، أن تكون فعلاً قلْبَ العالَم النّابض ، تهفو إليها قلوبُ المسلمين في جميع أنحاء الأرض إلى يوم القيامة ؟!
وماذا لو كانت الكعبة المشرَّفة ، التي توجد وَسَط مكَّة ، هي بالتَّحديد مركز الأرض ؟!
يقول الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 } (3- آل عمران 96-97) . والمقصود هنا ببَكَّة : مكَّة .
يقول العالم الثّقَة إسماعيل ابن كثير ، صاحب التّفسير المشهور للقرآن الكريم ، تعليقًا على هاتين الآيتين ، ما مُلَخَّصُه أنَّ في السَّماء السَّابعة بيتًا يُسمَّى البيت المعمور ، يُعتَبر بالنّسبة لأهل تلك السَّماء بمثابة الكعبة الشَّريفة لأهل الأرض . وموقعُه في السَّماء السَّابعة هو قُبالة كعبة الأرض من فوق ، بحيثُ لو سقط لسقط عليها ! وكذلك الحال بالنّسبة لِبَقيَّة السَّماوات !
فإذا كانت الكعبة الشَّريفة هي أوَّل بيت بُنِيَ للنَّاس ، واختارها الله تعالى لتكون بيتَه الحرام فوق الأرض ، فليس غريبًا أن يكون اختارها أيضًا لتكون مركز الأرض اليابسة .
أفلا يدعو هذا الأمر أيضًا إلى الوقوف عنده مليّا ؟! (يتبع ...)
أخوكم عامر أبو سميّة
يُعْتَبر الأذانُ بالنّسبة للمسلمين إعلامًا بدُخُول وقت واحدةٍ من الصَّلوات الخمس المفروضة عليهم في اليوم واللَّيلة . ودخولُ الوقت هذا مُرتبطٌ بحركة الشَّمس الظَّاهرة حول الأرض .
فوَقْتُ صلاة الفجر يبدأ عند طلوع الفجر الصَّادق ، وهو الضَّوء الأبيض الذي يُعْلِن انتهاءَ اللّيل وبداية النَّهار ويسبق شروق الشَّمس .
ويبدأ وقتُ صلاة الظُّهر مباشرة بعد زوال الشَّمس ، أي حالَمَا تنحرف الشَّمس عن وَسط السَّماء .
ويبدأ وقتُ صلاة العصر عندما يَصلُ ظِلُّ كلّ شيء مثلَه ويبدأ في الزّيادة .
ويبدأ وقتُ صلاة المغرب عندما يغيب قُرْصُ الشَّمس كاملاً .
ويبدأ وقتُ صلاة العشاء عند مغيب الشَّفق الأحمر .
وبما أنَّ الأرض تدور حول نفسها، فإنَّ ضوء الشَّمس يَبقى ينتقل من خطّ طولٍ على الكرة الأرضيَّة لِخَطّ طول آخر . ونتيجةً لذلك ، فإنَّ غروب الشَّمس مثلاً لا يتمُّ على كامل الأرض في نفس اللَّحظة ، وإنَّما تغربُ الشَّمس على بعض المناطق على خطّ طولٍ مُعيَّن ، ثمَّ تغرب بعد بضع دقائق على مناطقَ مجاورة على نفس خطّ الطُّول ، ثمَّ على مناطق أخرى على خطّ الطُّول الموالي ، ثمَّ الذي يليه ، وهكذا . وكلُّنا يعرف أنَّ هناك فارقًا في التَّوقيت من بلد لآخر ، وأنَّ النَّهار يطلعُ في بلد ليبدأ اللَّيلُ في نفس الوقت في بلد آخر .
نعودُ إلى قضيَّة الأذان ، ونأخذُ مثلاً صلاة المغرب التي يبدأ وقتها بغروب الشَّمس . فبِناءً على ما فَصَّلْنا سابقًا ، فإنَّ وقت صلاة المغرب لا يحين في نفس اللَّحظة في كلّ بلدان العالم ، وإنَّما يحين في بعض المدن على نفس خطّ الطُّول ، ثمَّ يحين في المدن المجاورة على خطّ الطُّول المجاور ، ثمَّ الذي يليه ، وهكذا . وهذا ينطبق أيضًا على صلوات : العشاء والفجر والظُّهر والعصر .
وبما أنَّ دخولَ الوقت يتمُّ الإعلان عنه بالأذان ، والذي يستغرق بضع دقائق ، فإنَّه ما أن ينتهي المؤذّن من الأذان لصلاةٍ مَا في بلدٍ مَا ، حتَّى يرتفع صوت مؤذّن آخر في بلد مُجاور ليؤذّن لنفس الصَّلاة ! ويبقى الأذان يدور هكذا حول الأرض التي مركزها الكعبة ، مِن خطّ طولٍ لِخَطّ طولٍ آخر ، دون توقُّف إلى قيام السَّاعة !
وبِما أنَّ الصَّلوات الخمس المفروضة مُوَزَّعة على ساعات اللَّيل والنَّهار ، فيمكن الجزم بأنَّه في كلّ لحظةٍ من ليلٍ أو نهار ، يرتفع صوت مؤذّنٍ في بقعة من بقاع العالم ، لينادي للصَّلاة !
هل تدري أيّها الزّائر الكريم ماذا يقول المؤذّن ؟
إنَّه يقول : الله أكبر ، الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله .
أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله ، أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله .
حيّ على الصَّلاة ، حيّ على الصَّلاة .
حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح .
الله أكبر ، الله أكبر .
لا إله إلاَّ الله .
إنَّه توحيدٌ مُطلَقٌ للَّه ، وشهادةٌ بأنَّ محمَّدًا رسول الله ، ودعوةٌ إلى إقام الصَّلاة في وقتها . هذه الصَّلاة التي هي موعدٌ يومي مع خالق هذا الكون ، لِطَلب العون والهداية والتَّوفيق منه ، والاستغفار والتَّوبة من الذُّنوب والخَطايا .
أفلا تجد بعد كلّ هذا رغبةً مُلِحَّة في التَّعرُّف على الإسلام ، بعيدًا عن التَّشويهات والأكاذيب ؟
واللهِ الذي لا إله غيره ، لو قرأتَ بقيّة الأقسام بنِيَّة البحث عن الحقيقة ، لَأَخذَ اللهُ بِيَدك ، بفضله ورحمته ، ولَهَداكَ إلى ما تبحثُ عنه .
ماذا لو كانت مكّة هي مركز الأرض ؟
في شهر يناير 1977 م ، نَشر الدُّكتور المصري حسين كمال الدّين ، دكتور في المساحة التَّصويريَّة (أو الطُّوبوغرافيا)، نتيجة أبحاث قام بها في السّعوديَّة .
يقول الدُّكتور أنَّه كان يبحث عن اكتشاف وسيلة تُساعد المسلمَ في أيّ مكان من العالم على تحديد اتّجاه مكَّة ، حيث توجد الكعبة ، قِبْلة المسلمين في الصَّلاة . فبدأ بحثَه برَسْم خريطة تَشملُ المسافات التي تفصلُ كلَّ مدينة على وجه الأرض ، عن مدينة مكَّة . واستعان في بحثه هذا بالكمبيوتر لِرَسم خطوط الطُّول والعرض للكرة الأرضيَّة ، ولحساب المسافات والانحرافات .
فكانت دهشتُه عظيمة عندما اكتشف أنَّه يستطيع أن يرسم دائرة ، مركزُها مدينة مكَّة ، ومحيطُها يدور مع حدود (أو أطراف) جميع القارَّات . وتأكَّد بذلك أنَّ مكَّة المكرَّمة هي مركز الأرض اليابسة ، وأنَّ كلَّ مُدُن العالَم مُوَزَّعة حولها توزيعًا منتظمًا !
يقول الدُّكتور حسين : حينئذ استطعتُ أن أفهم بعض آيات القرآن فهمًا جديدًا ، مثل قوله تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (6- الأنعام 92) . والمقصود هنا بأُمّ القرى : مكَّة . أي لتُنذِر مكّة ومَن حولها ، وكأنّ في هذا إشارة إلى أنّ مكّة في الوسط ، وكلّ مدن العالَم محيطة بها .
فهل يكون موقعُ مكَّة المركزي هو السَّبب في اختيار خالق هذا الكون لها لِتُبنى فيها الكعبةُ المشرَّفة ، بيته الحرام ، ولتنطلقَ منها دعْوةُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، خاتم الأنبياء والمرسلين والمبعوث إلى النَّاس كافَّة ، ولتكون مَقْصد كلّ المسلمين يأتون إليها من كلّ بقاع العالم للحجّ والعمرة ؟!
وهل أراد خالقُ الكون بِجَعْل مكَّة مركز الأرض ، أن تكون فعلاً قلْبَ العالَم النّابض ، تهفو إليها قلوبُ المسلمين في جميع أنحاء الأرض إلى يوم القيامة ؟!
وماذا لو كانت الكعبة المشرَّفة ، التي توجد وَسَط مكَّة ، هي بالتَّحديد مركز الأرض ؟!
يقول الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 } (3- آل عمران 96-97) . والمقصود هنا ببَكَّة : مكَّة .
يقول العالم الثّقَة إسماعيل ابن كثير ، صاحب التّفسير المشهور للقرآن الكريم ، تعليقًا على هاتين الآيتين ، ما مُلَخَّصُه أنَّ في السَّماء السَّابعة بيتًا يُسمَّى البيت المعمور ، يُعتَبر بالنّسبة لأهل تلك السَّماء بمثابة الكعبة الشَّريفة لأهل الأرض . وموقعُه في السَّماء السَّابعة هو قُبالة كعبة الأرض من فوق ، بحيثُ لو سقط لسقط عليها ! وكذلك الحال بالنّسبة لِبَقيَّة السَّماوات !
فإذا كانت الكعبة الشَّريفة هي أوَّل بيت بُنِيَ للنَّاس ، واختارها الله تعالى لتكون بيتَه الحرام فوق الأرض ، فليس غريبًا أن يكون اختارها أيضًا لتكون مركز الأرض اليابسة .
أفلا يدعو هذا الأمر أيضًا إلى الوقوف عنده مليّا ؟! (يتبع ...)
أخوكم عامر أبو سميّة
سارة- الادارة العامة
- عدد المساهمات : 1528
تاريخ الميلاد : 13/03/1223
تاريخ التسجيل : 27/05/2010
العمر : 801
رد: الله موجود .. وهذه الأدلّة
عندما يتحدّث الله تعالى عن نفسه
بعد أن بَيَّنَّا أيّها الضّيف الكريم أنَّ وراء هذا الكون خالِقًا عظيم القدرة ، وأنَّه هو الذي خلقَنا وخلقَ كلَّ شيء في هذا الوجود ، وأنَّ القرآن كلام الله ، سنحاول الآن التَّعرُّف على بعض صفات هذا الخالق من خلال ما ذكَره سبحانه عن نفسه في القرآن الكريم .
يقول تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 1 الله الصَّمَدُ 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 } (112- الإخلاص 1-4) .
ففي هذه السُّورة القصيرة ، يعلنُ تعالى باختصار مُدهش ووضوح تامّ أنَّه إلهٌ واحد لا شريك له ، وأنَّه لا والد ولا زوجة ولا ولَد له ، وأنَّه ليس له شبيهٌ أو مثيلٌ في الوجود قَطّ .
يقول تعالى في آية أخرى : { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 11 } (42- الشّورى 11) .
ويُشدّد اللّهجةَ في آيات أخرى على من يَنسب له ولدًا ، فيقول تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا 88 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90 أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا 91 وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا 92 إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 93 لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا 94 وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا 95 } (19- مريم 88-95)
بالله عليك أيّها الضّيف الكريم ، هل قرأْتَ أو سمعْتَ في حياتك نصّا بِمثل هذه البلاغة وبِمثل هذا التّعبير ؟!
هل تريدُ فعلاً أدلَّة أخرى على أنَّ القرآن يستحيلُ أن يكون من تأليف بَشَر ؟!
ويقول تعالى في آية عظيمة تُسمَّى آية الكرسي : { الله لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 255 } (2- البقرة 255) .
فالله سبحانه واحد، حيٌّ لا يموت ، لا ينام ولا يغفل عن خلْقه أبدًا ، يَملك ما في السَّماوات وما في الأرض وكلّ ما في الوجود ، ويعلمُ ماضي كلّ شيء وحاضره ومستقبله . وبالرَّغم من عِظَم هذا الكون واتّساعه الهائل ، فإنَّ الله تعالى لا يُثقِلُه حفْظُ ذلك كلّه ومراقبته أدنى شيء ، ولا يغيب عن علمه أيّ شيء ، مهما كان صغيرًا .
ويقول تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 59 وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 60 } (6- الأنعام 59-60) .
لا تستغربْ أيّها الضّيف الكريم ! إنَّ عِلْم الله أحاط فعلاً بكلّ شيء . حتَّى ورقة الشَّجرة ، تسقط في أيّ لحظة من الزَّمن ، وفي أيّ بقعة من الأرض ، لا يمكن أن تغيب عن علم الله سبحانه وتعالى .
فهل يُعقَل بعد هذا أن نَظُنَّ أنَّ الله يمكنُ أن ينسَى خلْقَه فلا يُرسل إليهم المطر ، أو يغفلَ عن مراقبة الكون فتحدث الزَّلازل والحروب بدون علمه ؟!
لا ، غير معقول ! يقول تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ 17 } (23- المؤمنون 17) .
فالله سُبحانه مُتَّصِفٌ إذًا بكلّ صفات الكمال، ومُنَّزَّه عن كلّ النَّقائص ، فلا يتعب ولا ينام ولا يأكل ولا يشرب ، وليس له عينان ويدان ورجلان ، ولا يُمكن أبدًا لعُقولنا الصَّغيرة أن تتخيَّل صورته .
ولكنَّنا نستطيع أن نُدركَ شيئًا عن جلاله وجماله ، عندما نقرأ قولَه تعالى : { الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 35 } (24- النّور 35) .
الله لا إله إلاّ هو
نعم ، ليس هناك إلهٌ غير الله . وإذا كنتَ ما زلتَ في شكٍّ من هذا الأمر ، فاستمع لِهذه الآيات : يقول الله تعالى : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ 60 أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ 61 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ 62 أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ 63 أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 64 قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ الله وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 65 } (27- النّمل 60-65) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ 22 } (21- الأنبياء 22) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ 91 } (23- المؤمنون 91) .
قَطْعًا ، ليس لِلَّه مثيلٌ ولا شبيهٌ ولا شريك ، وكلُّ ما في الكون يسيرُ وِفقَ نظام واحد يشهدُ بأنَّ الخالق لا بُدَّ أن يكون واحدًا !
ويقول تعالى : { الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 62 لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ الله أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 63 } (39- الزّمر 62-63) .
فالله هو وحده خالق كلّ شيء في هذا الوجود ، وهو وحده الوكيل على كلّ شيء ، وهو وحده المتصرّف في كلّ شيء . والذين يستكْبرونَ عن عبادته هم فعلاً الخاسرون ، وسيخسرون كلَّ شيء يوم القيامة !
عندما يطغى العناد والجحود على العقل والمنطق
سُئِل أعرابيٌّ من البادية : كيف عرفتَ أنَّ الله موجود ؟
فأجاب بفطرته السَّليمة : البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير ، والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير . سماءٌ ذات أبراج ، وأرضٌ ذات فجاج ، وبحارٌ ذات أمواج ، أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير ؟!
كلُّ النَّاس ، بمختلف عقائدهم ، يؤمنون في أعماقهم بوُجود خالقٍ لهذا الكون !
فالطَّالبُ لحظةَ الإعلان عن النَّتائج ، والغريقُ وهو يصارع الأمواج ، والأمُّ عند سماعها أنَّ حادثة خطيرة وقعتْ لابنتها ، والرَّجُل وقد أحاطت به النّيران من كلّ جانب ، كلُّهم يجدون أنفسهم في تلك اللَّحظات يتضرَّعون إلى الله : يا ربّ ، يا ربّ !
لكن ، ما أن تَمُرَّ الأزمة حتَّى يعود الكافر إلى جحوده وكُفره !
يقول الله تعالى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 63 قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ 64 قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ 65 } (6- الأنعام 63-65) .
ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23 } (10- يونس 22-23) .
ويقول تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 30 أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 31 وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ 32 } (31- لقمان 30-32) .
نعم ، هذه هي طبيعة الكافر : عندما يُحيطُ به الخطَرُ من كلّ جانب وتنقطع به الأسباب ، لا تجد على لسانه سوى كلمة : يا ربّ ، يا ربّ ! لكن ، ما أن يُنعم عليه الله بالنَّجاة ، حتَّى يطغى على نفسه الجحودُ والعناد ، فينسبُ الفضلَ في خَلاصه إلى أيّ شيء آخر سوى .. الله !
وأشدّ من هذا جحودًا : مَنْ يَضَعُ اللهُ في طريقه أسبابًا للإيمان ، ولكنَّه عِوَضَ أن يَستغِلَّها ، يزدادُ على العكس عنادًا وكُفرًا !
مثال ذلك : فرعون وقومه الذين ذكَر الله قصَّتهم في القرآن .
يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 } (27- النّمل 12-14) .
فهؤلاء أنكَرُوا بأفواههم أن يكون ما رأَوْهُ معجزات من عند الله ، ولكنَّهم كانُوا في قرارة أنفسهم مُتَيقّنين أنَّها فعْلاً من عنده ، ومَنعَهُم كِبْرُهم من الإقرار علانيةً بهذا .
والتّسْع معجزات المشار إليها في هذه الآيات ، هي : عصا موسى التي تحوَّلتْ إلى حَيَّة فالْتهَمتْ حِبالَ السَّحَرة ، والتي ضرب بها موسَى البحْر فانفلقَ إلى نِصْفَين ، ويَده التي كان يُدخِلُها في جَيْبه فتخرج بيضاء .
أمَّا السَّبع معجزات الأخرى ، فقد ذكَرها الله تعالى في الآيات التَّالية : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131 وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ 133 وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ 134 فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ 135 فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136 } (7- الأعراف 130-136) .
ذلك أنَّ النَّبيَّ موسى عليه السَّلام لَمَّا هَزم فرعونَ والسَّحرة على الملأ ، أمَّا السَّحرةُ فآمنُوا على الفَوْر بموسى وبإلهه ، وأمَّا فرعونُ وقومُه من الأقباط فاستكْبَرُوا وأصرُّوا على الكُفْر .
فمِنْ حِلْم الله تعالى أنَّه لم يُرِدْ أن يُعجّلَ لهم العذاب ، وهو القادرُ على ذلك ، فأرسلَ لهم الدَّلائلَ المتتابعة على قُدْرته، لكي يُقيمَ الحُجَّة عليهم .
فبَدأَهم بسِنينَ من الجفاف وقِلَّة الثّمار ، لكنَّهم لم يَرْتَدعُوا . بل كانُوا إذا خفَّفَ الله عنهم الشّدَّة لبعض الوَقْت ، قالُوا : هذا ما يليقُ بنا وما نستحقُّه ! فإذا عاد الجفاف ونَقْص الثّمار، قالُوا : هذا بسبب موسى وقومه من بني إسرائيل !
فعذَّبهم الله تعالى بالطُّوفان ، وهو كثرة الأمطار المهلِكة وما ينتج عنها من انتشار للأوبئة ، ثمَّ الجراد الذي أكَلَ زَرْعَهُم، ثمَّ القَمل الذي انْتَشر في بُيوتهم وأقَضَّ مَضاجعَهم ، ثمَّ الضَّفادع كانت تسقُط في طعامهم وشرابهم، ثمَّ الدَّم الذي اختلطَ بماء الآبار والأنهار .
كلُّ هذا أصاب فرعونَ وقَوْمَه من الأقباط ، ولم يُصب موسى وقومَه من بني إسرائيل شيئًا ، وهذا من تمام المعجزة !
والغريب أنَّ فرعون وقومه كانوا كلَّما نزل بهم عذابٌ ورأوا آيةً من آيات الله ، حلَفُوا وعاهدُوا موسى لَئِنْ دعا ربَّه وكشفَ عنهم العذاب لَيُؤمِنُنَّ به . لكنَّهم ما أن يُرفَع عنهم العذاب حتَّى يعودُوا أشدّ مِمَّا كانوا عليه من الإنكار ! فيُرسِلُ الله عليهم عذابًا أشدّ ، فيَعِدُون ويحلفُون ، ثمَّ يكفُرون من جديد ! هذا، والحليمُ القديرُ يُنظِرُهم ولا يَعجَلُ عليهم ، ثمَّ أخَذَهم أخْذَ عزيز مُقتَدِر ، فأغرَقَهم جميعًا ، وجعلَهُم عِبْرةً لغيرهم .
وأنتَ أيّها الضّيف الكريم ، أليسَ من رحمة الله بكَ أن وضعَ في طريقك هذا الموقع للتَّعرُّف على الإسلام ؟! أم تُريد أن تُضيعَ هذه الفرصة ، فيُداهِمَك الموتُ ، فتَخسَر كلَّ شيء ؟!
هذا صنع الله ، فماذا صنع إنسان العصر الحديث ؟
وبعد ، أيّها الضّيف الكريم ! أما زلتَ في شكٍّ من أنَّ الله تعالى هو الذي خلقك ؟!
واللهِ إنَّ كلَّ عُضْوٍ في جسمكَ يشهد بوجود هذا الخالق وعظمته ! يقول الله تعالى في القرآن الكريم : { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ 20 وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ 21 } (51- الذّاريات 20-21) .
ويقول تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 53 } (41- فصّلت 53) .
ولو تأمَّلتَ مثلاً في كيفيَّة عمَل دماغك ، لَتبيَّنَ لكَ في الحال أنَّه لا يُمكنُ أن يكون إلاَّ من صُنع إلهٍ واحد لا حدود لِقُدرته ولِعلْمه .
فالدّماغ يستقبل كلَّ لحظة ، بواسطة الأعصاب ، مليارات المعلومات القادمة من مختلف أعضاء الجسم ، فيُحلّلها بسُرعة خياليَّة ، ثمَّ يُصدرُ أوامره بالتَّحرُّك .
وبهذا يستطيع الإنسان أن يُميّز بين آلاف الأصوات ، وأن يُشاهد الصُّور ، ويتذوَّق الطَّعام ، ويُفكّر ، ويمشي ، ويضحك . والأغرب من هذا ، أنَّ الدّماغ لا يتوقَّف لحظة واحدة عن العمل ، فتنامُ أنت على فراشك وأنت مطمئنٌّ أنَّ قلبكَ لن يتوقَّف عن النَّبض ، وأنَّ جهازك التَّنفُّسي سيبقى يعمل .
هذا صُنعُ الله ، فماذا صنعَ إنسانُ العصر الحديث ؟
إنَّه لم يستطع أن يصنع سوى إنسان آليّ ، هو عبارة عن كُتلة من المعادن محدودة الحركة ، لا تُحسُّ ولا تُفكّر ولا تأكل ولا تشرب !
والمدهشُ فعلاً أنَّ الكثير من الباحثين ، عِوَض أن يَصلُوا ببحوثهم إلى معرفة الله والشَّهادة له بالقُدرة والعظمة ، يَركبُهم ، على العكس ، الغُرور ، فلا تراهم يتحدَّثون إلاَّ عن عبقريَّتهم وإبداعاتهم !
ولو أراد الله أن يَسلبهم مثلاً نعمةَ التَّفكير ، لَما استطاعُوا أن يكتشفُوا أيَّ شيء ! ولو لَم يُوفّر لهم العناصر اللاَّزمة لِصُنع الأجهزة المختلفة ولِنقل الأصوات والصُّور والمعلومات ، لَما استطاعُوا التَّخاطبَ بالهاتف ، أو مُشاهدة التّلفاز ، أو استخدام الإنترنت .
نعم ، لقد أعمى الغرورُ إنسانَ العصر الحديث ، فجعله ينتفخ كلَّما توصَّل إلى اكتشاف جديد ، بينما كان الأولى به أن يزداد إيمانًا بوجُود خالق واحد عظيم القُدرة ، وأنَّ هذا الخالق لم يقذف به هكذا على الأرض ، وإنَّما وفَّر له كلَّ ما يحتاج إليه .. وأكثر !
يقول الله تعالى : { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34 } (14- إبراهيم 34) .
أخوكم عامر أبو سميّة
موقع الطريق إلى الله
بعد أن بَيَّنَّا أيّها الضّيف الكريم أنَّ وراء هذا الكون خالِقًا عظيم القدرة ، وأنَّه هو الذي خلقَنا وخلقَ كلَّ شيء في هذا الوجود ، وأنَّ القرآن كلام الله ، سنحاول الآن التَّعرُّف على بعض صفات هذا الخالق من خلال ما ذكَره سبحانه عن نفسه في القرآن الكريم .
يقول تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ 1 الله الصَّمَدُ 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 } (112- الإخلاص 1-4) .
ففي هذه السُّورة القصيرة ، يعلنُ تعالى باختصار مُدهش ووضوح تامّ أنَّه إلهٌ واحد لا شريك له ، وأنَّه لا والد ولا زوجة ولا ولَد له ، وأنَّه ليس له شبيهٌ أو مثيلٌ في الوجود قَطّ .
يقول تعالى في آية أخرى : { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 11 } (42- الشّورى 11) .
ويُشدّد اللّهجةَ في آيات أخرى على من يَنسب له ولدًا ، فيقول تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا 88 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90 أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا 91 وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا 92 إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 93 لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا 94 وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا 95 } (19- مريم 88-95)
بالله عليك أيّها الضّيف الكريم ، هل قرأْتَ أو سمعْتَ في حياتك نصّا بِمثل هذه البلاغة وبِمثل هذا التّعبير ؟!
هل تريدُ فعلاً أدلَّة أخرى على أنَّ القرآن يستحيلُ أن يكون من تأليف بَشَر ؟!
ويقول تعالى في آية عظيمة تُسمَّى آية الكرسي : { الله لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 255 } (2- البقرة 255) .
فالله سبحانه واحد، حيٌّ لا يموت ، لا ينام ولا يغفل عن خلْقه أبدًا ، يَملك ما في السَّماوات وما في الأرض وكلّ ما في الوجود ، ويعلمُ ماضي كلّ شيء وحاضره ومستقبله . وبالرَّغم من عِظَم هذا الكون واتّساعه الهائل ، فإنَّ الله تعالى لا يُثقِلُه حفْظُ ذلك كلّه ومراقبته أدنى شيء ، ولا يغيب عن علمه أيّ شيء ، مهما كان صغيرًا .
ويقول تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 59 وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 60 } (6- الأنعام 59-60) .
لا تستغربْ أيّها الضّيف الكريم ! إنَّ عِلْم الله أحاط فعلاً بكلّ شيء . حتَّى ورقة الشَّجرة ، تسقط في أيّ لحظة من الزَّمن ، وفي أيّ بقعة من الأرض ، لا يمكن أن تغيب عن علم الله سبحانه وتعالى .
فهل يُعقَل بعد هذا أن نَظُنَّ أنَّ الله يمكنُ أن ينسَى خلْقَه فلا يُرسل إليهم المطر ، أو يغفلَ عن مراقبة الكون فتحدث الزَّلازل والحروب بدون علمه ؟!
لا ، غير معقول ! يقول تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ 17 } (23- المؤمنون 17) .
فالله سُبحانه مُتَّصِفٌ إذًا بكلّ صفات الكمال، ومُنَّزَّه عن كلّ النَّقائص ، فلا يتعب ولا ينام ولا يأكل ولا يشرب ، وليس له عينان ويدان ورجلان ، ولا يُمكن أبدًا لعُقولنا الصَّغيرة أن تتخيَّل صورته .
ولكنَّنا نستطيع أن نُدركَ شيئًا عن جلاله وجماله ، عندما نقرأ قولَه تعالى : { الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 35 } (24- النّور 35) .
الله لا إله إلاّ هو
نعم ، ليس هناك إلهٌ غير الله . وإذا كنتَ ما زلتَ في شكٍّ من هذا الأمر ، فاستمع لِهذه الآيات : يقول الله تعالى : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ 60 أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ 61 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ 62 أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ 63 أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 64 قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ الله وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 65 } (27- النّمل 60-65) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ 22 } (21- الأنبياء 22) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ 91 } (23- المؤمنون 91) .
قَطْعًا ، ليس لِلَّه مثيلٌ ولا شبيهٌ ولا شريك ، وكلُّ ما في الكون يسيرُ وِفقَ نظام واحد يشهدُ بأنَّ الخالق لا بُدَّ أن يكون واحدًا !
ويقول تعالى : { الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 62 لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ الله أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 63 } (39- الزّمر 62-63) .
فالله هو وحده خالق كلّ شيء في هذا الوجود ، وهو وحده الوكيل على كلّ شيء ، وهو وحده المتصرّف في كلّ شيء . والذين يستكْبرونَ عن عبادته هم فعلاً الخاسرون ، وسيخسرون كلَّ شيء يوم القيامة !
عندما يطغى العناد والجحود على العقل والمنطق
سُئِل أعرابيٌّ من البادية : كيف عرفتَ أنَّ الله موجود ؟
فأجاب بفطرته السَّليمة : البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير ، والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير . سماءٌ ذات أبراج ، وأرضٌ ذات فجاج ، وبحارٌ ذات أمواج ، أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير ؟!
كلُّ النَّاس ، بمختلف عقائدهم ، يؤمنون في أعماقهم بوُجود خالقٍ لهذا الكون !
فالطَّالبُ لحظةَ الإعلان عن النَّتائج ، والغريقُ وهو يصارع الأمواج ، والأمُّ عند سماعها أنَّ حادثة خطيرة وقعتْ لابنتها ، والرَّجُل وقد أحاطت به النّيران من كلّ جانب ، كلُّهم يجدون أنفسهم في تلك اللَّحظات يتضرَّعون إلى الله : يا ربّ ، يا ربّ !
لكن ، ما أن تَمُرَّ الأزمة حتَّى يعود الكافر إلى جحوده وكُفره !
يقول الله تعالى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 63 قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ 64 قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ 65 } (6- الأنعام 63-65) .
ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23 } (10- يونس 22-23) .
ويقول تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 30 أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 31 وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ 32 } (31- لقمان 30-32) .
نعم ، هذه هي طبيعة الكافر : عندما يُحيطُ به الخطَرُ من كلّ جانب وتنقطع به الأسباب ، لا تجد على لسانه سوى كلمة : يا ربّ ، يا ربّ ! لكن ، ما أن يُنعم عليه الله بالنَّجاة ، حتَّى يطغى على نفسه الجحودُ والعناد ، فينسبُ الفضلَ في خَلاصه إلى أيّ شيء آخر سوى .. الله !
وأشدّ من هذا جحودًا : مَنْ يَضَعُ اللهُ في طريقه أسبابًا للإيمان ، ولكنَّه عِوَضَ أن يَستغِلَّها ، يزدادُ على العكس عنادًا وكُفرًا !
مثال ذلك : فرعون وقومه الذين ذكَر الله قصَّتهم في القرآن .
يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 } (27- النّمل 12-14) .
فهؤلاء أنكَرُوا بأفواههم أن يكون ما رأَوْهُ معجزات من عند الله ، ولكنَّهم كانُوا في قرارة أنفسهم مُتَيقّنين أنَّها فعْلاً من عنده ، ومَنعَهُم كِبْرُهم من الإقرار علانيةً بهذا .
والتّسْع معجزات المشار إليها في هذه الآيات ، هي : عصا موسى التي تحوَّلتْ إلى حَيَّة فالْتهَمتْ حِبالَ السَّحَرة ، والتي ضرب بها موسَى البحْر فانفلقَ إلى نِصْفَين ، ويَده التي كان يُدخِلُها في جَيْبه فتخرج بيضاء .
أمَّا السَّبع معجزات الأخرى ، فقد ذكَرها الله تعالى في الآيات التَّالية : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131 وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ 133 وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ 134 فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ 135 فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136 } (7- الأعراف 130-136) .
ذلك أنَّ النَّبيَّ موسى عليه السَّلام لَمَّا هَزم فرعونَ والسَّحرة على الملأ ، أمَّا السَّحرةُ فآمنُوا على الفَوْر بموسى وبإلهه ، وأمَّا فرعونُ وقومُه من الأقباط فاستكْبَرُوا وأصرُّوا على الكُفْر .
فمِنْ حِلْم الله تعالى أنَّه لم يُرِدْ أن يُعجّلَ لهم العذاب ، وهو القادرُ على ذلك ، فأرسلَ لهم الدَّلائلَ المتتابعة على قُدْرته، لكي يُقيمَ الحُجَّة عليهم .
فبَدأَهم بسِنينَ من الجفاف وقِلَّة الثّمار ، لكنَّهم لم يَرْتَدعُوا . بل كانُوا إذا خفَّفَ الله عنهم الشّدَّة لبعض الوَقْت ، قالُوا : هذا ما يليقُ بنا وما نستحقُّه ! فإذا عاد الجفاف ونَقْص الثّمار، قالُوا : هذا بسبب موسى وقومه من بني إسرائيل !
فعذَّبهم الله تعالى بالطُّوفان ، وهو كثرة الأمطار المهلِكة وما ينتج عنها من انتشار للأوبئة ، ثمَّ الجراد الذي أكَلَ زَرْعَهُم، ثمَّ القَمل الذي انْتَشر في بُيوتهم وأقَضَّ مَضاجعَهم ، ثمَّ الضَّفادع كانت تسقُط في طعامهم وشرابهم، ثمَّ الدَّم الذي اختلطَ بماء الآبار والأنهار .
كلُّ هذا أصاب فرعونَ وقَوْمَه من الأقباط ، ولم يُصب موسى وقومَه من بني إسرائيل شيئًا ، وهذا من تمام المعجزة !
والغريب أنَّ فرعون وقومه كانوا كلَّما نزل بهم عذابٌ ورأوا آيةً من آيات الله ، حلَفُوا وعاهدُوا موسى لَئِنْ دعا ربَّه وكشفَ عنهم العذاب لَيُؤمِنُنَّ به . لكنَّهم ما أن يُرفَع عنهم العذاب حتَّى يعودُوا أشدّ مِمَّا كانوا عليه من الإنكار ! فيُرسِلُ الله عليهم عذابًا أشدّ ، فيَعِدُون ويحلفُون ، ثمَّ يكفُرون من جديد ! هذا، والحليمُ القديرُ يُنظِرُهم ولا يَعجَلُ عليهم ، ثمَّ أخَذَهم أخْذَ عزيز مُقتَدِر ، فأغرَقَهم جميعًا ، وجعلَهُم عِبْرةً لغيرهم .
وأنتَ أيّها الضّيف الكريم ، أليسَ من رحمة الله بكَ أن وضعَ في طريقك هذا الموقع للتَّعرُّف على الإسلام ؟! أم تُريد أن تُضيعَ هذه الفرصة ، فيُداهِمَك الموتُ ، فتَخسَر كلَّ شيء ؟!
هذا صنع الله ، فماذا صنع إنسان العصر الحديث ؟
وبعد ، أيّها الضّيف الكريم ! أما زلتَ في شكٍّ من أنَّ الله تعالى هو الذي خلقك ؟!
واللهِ إنَّ كلَّ عُضْوٍ في جسمكَ يشهد بوجود هذا الخالق وعظمته ! يقول الله تعالى في القرآن الكريم : { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ 20 وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ 21 } (51- الذّاريات 20-21) .
ويقول تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 53 } (41- فصّلت 53) .
ولو تأمَّلتَ مثلاً في كيفيَّة عمَل دماغك ، لَتبيَّنَ لكَ في الحال أنَّه لا يُمكنُ أن يكون إلاَّ من صُنع إلهٍ واحد لا حدود لِقُدرته ولِعلْمه .
فالدّماغ يستقبل كلَّ لحظة ، بواسطة الأعصاب ، مليارات المعلومات القادمة من مختلف أعضاء الجسم ، فيُحلّلها بسُرعة خياليَّة ، ثمَّ يُصدرُ أوامره بالتَّحرُّك .
وبهذا يستطيع الإنسان أن يُميّز بين آلاف الأصوات ، وأن يُشاهد الصُّور ، ويتذوَّق الطَّعام ، ويُفكّر ، ويمشي ، ويضحك . والأغرب من هذا ، أنَّ الدّماغ لا يتوقَّف لحظة واحدة عن العمل ، فتنامُ أنت على فراشك وأنت مطمئنٌّ أنَّ قلبكَ لن يتوقَّف عن النَّبض ، وأنَّ جهازك التَّنفُّسي سيبقى يعمل .
هذا صُنعُ الله ، فماذا صنعَ إنسانُ العصر الحديث ؟
إنَّه لم يستطع أن يصنع سوى إنسان آليّ ، هو عبارة عن كُتلة من المعادن محدودة الحركة ، لا تُحسُّ ولا تُفكّر ولا تأكل ولا تشرب !
والمدهشُ فعلاً أنَّ الكثير من الباحثين ، عِوَض أن يَصلُوا ببحوثهم إلى معرفة الله والشَّهادة له بالقُدرة والعظمة ، يَركبُهم ، على العكس ، الغُرور ، فلا تراهم يتحدَّثون إلاَّ عن عبقريَّتهم وإبداعاتهم !
ولو أراد الله أن يَسلبهم مثلاً نعمةَ التَّفكير ، لَما استطاعُوا أن يكتشفُوا أيَّ شيء ! ولو لَم يُوفّر لهم العناصر اللاَّزمة لِصُنع الأجهزة المختلفة ولِنقل الأصوات والصُّور والمعلومات ، لَما استطاعُوا التَّخاطبَ بالهاتف ، أو مُشاهدة التّلفاز ، أو استخدام الإنترنت .
نعم ، لقد أعمى الغرورُ إنسانَ العصر الحديث ، فجعله ينتفخ كلَّما توصَّل إلى اكتشاف جديد ، بينما كان الأولى به أن يزداد إيمانًا بوجُود خالق واحد عظيم القُدرة ، وأنَّ هذا الخالق لم يقذف به هكذا على الأرض ، وإنَّما وفَّر له كلَّ ما يحتاج إليه .. وأكثر !
يقول الله تعالى : { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34 } (14- إبراهيم 34) .
أخوكم عامر أبو سميّة
موقع الطريق إلى الله
سارة- الادارة العامة
- عدد المساهمات : 1528
تاريخ الميلاد : 13/03/1223
تاريخ التسجيل : 27/05/2010
العمر : 801
مواضيع مماثلة
» السلام عليكم ورحمه الله وبركاته/هديه نرجو من الله ان تقبلوها
» الفرق بين ( انشاء الله )و( ان شاء الله ) فرق خطيير
» المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: من المسئول عن تحديد جنس المولود؟ هل الرجل هو المسؤول؟ أم المرأة؟ أم أن المسؤولية مشتركة؟ وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وما رأي العلم الحديث في هذا الأمر؟
» الفرق بين ( انشاء الله )و( ان شاء الله ) فرق خطيير
» المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: من المسئول عن تحديد جنس المولود؟ هل الرجل هو المسؤول؟ أم المرأة؟ أم أن المسؤولية مشتركة؟ وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وما رأي العلم الحديث في هذا الأمر؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 19 سبتمبر 2020 - 15:12 من طرف Admin
» عالم البحار sea world life
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 8:30 من طرف Admin
» الحياة في البرية
الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:12 من طرف Admin
» جولة في النرويج
الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 19:17 من طرف Admin
» جولة في اسطمبول
الثلاثاء 25 أغسطس 2020 - 12:09 من طرف Admin
» أكواريوم aquarium
السبت 22 أغسطس 2020 - 16:54 من طرف Admin
» سورة الملك
الخميس 6 أغسطس 2020 - 19:27 من طرف Admin
» الحكم على دنيا باطما بالسجن في قضية حمزة مون بيبي اليوم
الأربعاء 29 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin
» منع السفر من و إلى عدة مدن مغربية قبل عيد الأضحى بسبب كورونا
الأحد 26 يوليو 2020 - 20:35 من طرف Admin