يسألونك عن الروح

من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ،عن علقمة ،عن عبد الله ، قال :بينا أنا أمشي مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم - في حرة بالمدينة وهو متكئ على عسيب ، فمررنا على نفر من اليهود .
فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح .
وقال بعضهم :لا تسألوه عسى أن يخبر فيه بشيء تكرهونه .
وقال بعضهم : نسأله .
فقام رجل فقال : يا أبا القاسم :ما الروح؟ .
فسكت عنه رسول الله فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت ، فلما تجلى عنه قال : ( يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) { الاسراء :85 }ومعلوم أنهم سألوه عن أمر لا يعرف إلا بالوحي ، وذلك هو الروح عند الله لا يعلمها الناس .
وأما أرواح بني أدم : فليست من الغيب ، وقد تكلم بها طوائف الناس من أهل الملل وغيرهم ، فلم يكن الجواب عنها من إعلام النبوة .
وفي رواية أن قريشا اجتمعت فقال بعضهم لبعض والله ما كان محمد يكذب ولقد نشأ فينا بالصدق والأمانة فأرسلوا جماعة من اليهود فاسألوهم عنه ، وكانوا مستبشرين به ويكثرون ذكره ويدعون نبوته ويرجون نصره موقنين أنه سيهاجر إليهم ويكونون له أنصارا فسألوهم عنه فقالت لهم اليهود:سلوه عن ثلاث : سلوه عن الروح أنه ليس في التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم الروح فأنزل الله تعالى { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } الاساء 85 يريد من خلق ربي عز وجل .
والروح في القرءان على عدة أوجه :
أحدها الوحي كقوله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } الشورى 52
وقوله تعالى ك { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } غافر :15 . وسمي روحا لما يحصل من حياة القلوب والأرواح .
الثاني : القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين كما قال : { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } المجادلة : 22 .
الثالث : جبريل كقوله تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك } الشعراء :193 .
وقال تعالى : { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } البقرة : 97 .
وهو روح القدس : { قل نزله روح القدس } النحل :102 .
الرابع :الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله ، وقد قيل إنها الروح المذكورة في قوله تعالى : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون } النبأ :38 . وأنها الروح المذكورة في قوله تعالى : { تنزل الملائكة والروح بإذن ربهم } القدر :4 .
الخامس : المسيح ابن مريم قال تعالى : { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } البساء 171 .
وأما أرواح بني ادم فلم تقع تسميتها في القران إلا بالنفس : { يا آيتها النفس المطمئنة } الفجر 27
وقال تعالى : { ولا أقسم بالنفس اللوامة } القيامة :2 . وقال تعالى : { إن النفس لأمارة بالسوء } يوسف : 53 . وقال تعالى : { أخرجوا أنفسكم } الأنعام 93 . وقال تعالى : { ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها } الشمس : 7،8 . وقال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } ال عمران :185 .
من كتاب الروح - ابن القيم الجوزية