الإعتدال في التربية على أصول الإعتقاد

1. انطلاقا
   من تعريف العقيدة وهي
   كما جاء في المعجم الوسيط " الحكم الذي لايقبل الشك فيه لدى معتقده
   " يتأكد لنا أن كل تصرف يصدر من إنسان عاقل واع إلا ويرجع إلى اعتقاد شد
   عليه قلبه , ويقين غمر نفسه ’ فأصبح يتصرف طبقا لرغبات اعتقاده ونوازع
   يقينه , وعلى هذا الأساس يمكن أن نفسر ماجرى ويجري من تطرف عقدي يمينا كان
   أويسارا ,وقد يتساءل القارئ : كيف يتطرف الإنسان في اعتقاده
   ’
   وأجيب : بأن المعتقد إذا غلب جانبا من الجوانب التي تتأسس عليها الأصول
   الكبرى للعقيدة مال إلى التطرف , وسأوضح هذا بشكل سريع
   :
   الشيعة غلبوا جانب الإمامة لاعتقادهم أنها أصل عقدي رباني موحى به من الله
   تعالى , ولايمكن ان يقوم الدين إلا بالإمام الموصى به , ولابد أن يكون من
   آل البيت , وقد أنتج هذا الإعتقاد عندهم تطرفا يظهر بشكل واضح في تعلقهم
   بأضرحة أئمتهم , وإعطاء قدسية لمراجعهم الدينية , ومظاهر الحزن في عاشوراء
   بكاء على الحسين , وتعجيلا بظهور الإمام الغائب
   .
   الخوارج غلبوا جانب الولاء والبراء كأصل عقدي تابع للأصل الكبير الذي هو
   الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , واعتقدوا فيه الوجوب مطلقا , بحيث
   لايمكن أن يقوم الدين إلا به , ولايكتمل إيمان المرء إلا به , وكان نتيجة
   هذا التغليب تكفير المسلمين بالذنوب , وإباحة الدماء والأموال , وقتل
   الأطفال
   ...
   المعتزلة غلبوا الجانب التنزيهي في الأصل الكبير ( التوحيد ) فمالوا إلى
   التعطيل ونفي بعض الصفات الثابتة لله تعالى وهذا تطرف عقدي واضح
   ,
   بعض أهل السنة غلبوا الجانب الإثباتي في التوحيد فمالوا إلى التجسيم وهو
   تطرف عقدي أيضا
   .
   والأمثلة كثيرة في هذا المجال , يبقى الحل الوسط هو الذي يمثله المعتدلون
   في الأمور كلها , ومنها أصول العقيدة , التي يجب أن يؤخد بها ككل لايتجزأ
   , حتى لايطغى جانب على آخر وحتى لاتختزل العقيدة ذات الطابع الإنساني
   والحضاري في أصل واحد لايمكن ضبطه إلا في إطار كليات العقيدة وأصولها
   الكبرى .
   فالإعتدال في مسألة التوحيد مثلا , يكون بالتربية على فهم الصفات
   جملة ووضعها بين إثبات وتنزيه , إثبات أن الله متصف بصفات مثل السمع
   والبصر والكلام والعلم والإستواء إلى غير ذلك من صفات ذاته وأفعاله كما
   أخبر سبحانه في كتابه وسنة نبيه , ثم تنزيه تلك الصفات عن مشابهة صفات
   المخلوقبن .
   الإعتدال في مسألة الحساب
   والعقاب واليوم الآخر , يكون بالتربية على الخوف والرجاء معا , وتغليب
   أحدهما يعد تطرفا , فالخوف وحده قد يؤدي إلى العزلة واليأس والقنوط من
   رحمة الله , والرجاء وحده قد يؤدي إلى الجرأة على المعاصي , وإلى طول
   الأمل ,وقلة العمل .
   
   
   الإعتدال في مسألة القضاء والقدر , يكون
   بالتربية على معرفة الفرق بين الخلق الذي هو لله تعالى وحده , وبين الكسب
   الذي للإنسان , فالله خالق الخير والشر , الإيمان والكفر , والإنسان مكتسب
   لذلك , فمن سعى إلى الخير وهو خلق الله كان خيرا , ومن سعى إلى الشر وهو
   خلق الله كذلك كان شريرا ,ويجازى ويحاسب طبقا لكسبه واختياره
   
   
   
   
   
   
   
   الإعتدال في مسألة علاقة الإنسان بالله , يكون بالتربية على
   سبيل المحبة المبنية على صحة العقيدة , وسبيل العمل المبني على صحة
   الشريعة , وقد تطرف بعضهم بتغليبهم لسبيل المحبة لاعتقادهم أنها الطريق
   الأوحد إلى الخلاص الأخروي , واستهانوا بالأعمال والطاعات , وتطرف آخرون
   بتركيزهم على أعمال الجوارح المجردة من أي صلة روحية بين الله
   وعباده , ودليلهم قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ),
   وأيقنوا في عدم وجود أية علاقة بين الله وعباده سوى بالعمل والعبادة ,
   ونسوا أن المحبة هي أصل العبادات كلها ولذلك قال تعالى ( والذين آمنوا أشد
   حبا لله ) وهو دليل على إثبات الحب وإثبات التفاوت فيه , وقد جعل رسول
   الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان في أحاديث كثيرة
   منها قوله صلى الله عليه وسلم " لايؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب
   إليه مما سواهما
   "
   والأمثلة كثيرة في الإعتدال في مسائل وأصول الإعتقاد , يجب ان نربي عليه
   أطفالنا وشبابنا , حتى لا ننفاجأ كما تفاجأ غيرنا في الأمس واليوم بوجود
   جنوح في السلوك وخلل في الفهم وتطرف في العقيدة عند أهم شريحة في المجتمع
   الإسلامي , يتعذر حينئذ على المربين إيجاد دواء لعلاجه , ويستعصي على
   العلماء تقويم اعوجاجه .ا